samedi 5 janvier 2013

عيادة سجن المرناقيّة

كان الدكتور عماد الطبيب المستحدث الانتداب جالسا إلى مكتبه في قسم الإستعجالي، يحاول التغلب على ساعات الليل الثقيلة بالاستماع إلى أغاني فيروز و ارتشاف فنجان قهوة مرّة ، يطالع بين الحين و الآخر بعض الأخبار على الفايسبوك أو يحاول حل رزمة من مجلات الكلمات المتقاطعة . ضلّ على هذه الحال من الاسترخاء حتى باغته ممرّض ليخبره أن إدارة السجون أرسلت لهم سجينا  في حالة احتضار  . دخل الغرفة مسرعا ، وجد المساعدين يقومون بالإسعافات الأوليّة ، قدّم له أحد أعوان الأمن الملف الطبي ، استلمه ثم طلب منه عماد مغادرة الغرفة .
قرأ عماد الملف بتأن و ما ان وقع نظره على الاسم حتى خالجه بعض الشك ، قفز إلى ذهنه خبر قرأه بأحد المواقع عن حالة تعذيب شاب من مكثر محبوس في سجن المرناقية بسبب قضية كيدية اثر خلاف مع مسؤول جهوي  ، استغرب من حالة التعتيم التي تهيمن على الحالة رغم خطورتها  . رفع ناظريه عن الأوراق ، وجد رئيس الممرضين واقفا عند السرير باديا عليه التّشنّج بينما المساعدون يقومون بالإسعافات ، كان قد عاين الكثير من هذه الحالات و خصوصا في بداياته عندما كان ممرضا في عيادة سجن 9  أفريل ، نظر إلى الطبيب بقلق :" الحالة صعبة جدا ، آثار التعذيب واضحة ، لا أتصوّر أنه سيتمكن من تجاوز هذه الليلة ."
اشاح الطبيب الشاب بنظره عن الممرض محاولا إخفاء ارتباكه و انطلق في فحص السجين دون أن ينطق بكلمة ، الكدمات و الجروح منتشرة في كامل أنحاء الجسم و قد تعفنت جرّاء الاهمال ، يبدو أنه على هذه الحالة منذ ايام ، يتنفس بصعوبة بالغة نظرا لكسر في ضلوعه ، لكن الشيء الوحيد الذي حير الطبيب هو هذا الثقب الذي ينزف في الأذن اليمنى و الانتفاخ في الكليتين و الركبتين ، يبدو أن الوضع في حاجة الى فحص دقيق و مطوّل ، خصوصا و أن الحالة في تراجع منذ وصولها .
نظر إلى زميله ، هز رأسه  ، كتب شيئا على دفتر ثم بادره قائلا :" أريدك أن تشرف على الحالة بنفسك ، سأعود إلى المكتب لكتابة التقرير الأولي ، الحالة خطرة ، و قضيته لها أبعاد سياسية ، لا نريد أن نتورّط في أي مشاكل ، احرص على أن لا يدخل أعوان الأمن إلى الغرفة  و لا تعطهم أي معلومة شافية ، حالة التعذيب واضحة و سيسعون جاهدين لإخفائها، لا تترك لهم الفرصة  "
رد الممرض بعد زفرة طويلة :" لا عليك ، عايشت بعض هذه الحالات في السابق ، أعرف كيف أتصرّف ، و على ذكر التقرير ، لقد أخبرني أحد الحرّاس أنه يتبول الدم منذ أيام و قد رفضت ادارة السجن السماح له بزيارة العيادة ، شيء آخر، حينما وصل كانت معه حقيبة صغيرة بها بعض الأدوية لكنها لم تكن قد استعملت بعد " 
-" من الواضح أنه قد تم تعذيبه بشكل وحشي و ممنهج ، إهماله كان مقصودا ،  لو كانوا عرضوه على الطبيب منذ البداية و تلقى العلاج ما كان سيصل الى هذه الحالة ، اذا تمكن من الصمود الى الغد سنجري له فحوصات الأشعّة و مجموعة من التحاليل  ، الله الستّار ، تابع الحالة جيّدا ، هذه قائمة الأدوية ، أنهي التقرير على جناح السرعة و أعود "
دخل عماد مكتبه ، فتح حاسوبه و بحث عن الخبر الضّائع ، نقّب قليلا بين الصّفحات و أخيرا وجد المقال ، كان قصيرا في شكل خبر عابر " شباب حزب العمّال يحتجّون أمام وزارة الدّاخليّة إثر تعرض رفيقهم نبيل عرعاري للتعذيب على يد أعوان الأمن وتعكّر حالته الصّحيّة نتيجة حرمانه من العلاج " لم يعد هناك مجال للشك ، انّه الشخص الذي يحتضر في الغرفة المجاورة .

انطلق عماد في كتابة التقرير ، حاول جاهدا التركيز على عمله و التعامل معه كأي مريض عادي  ، لكنه لم يستطع السيطرة على مشاعره . توقف منذ الجملة الأولى  ، كان يشعر بإحساس غريب ، مزيج من القهر و العار . نظر الى نفسه في المرآة باحتقار ، آلاف الأسئلة تهاجمه دون رحمة ، ترى ما الذي اقترفه هذا الإنسان حتى ينتهي به المطاف الى هذا المصير ؟ أي نوع من الكائنات هذا الذي يعذب انسانا حتى الاحتضار و يمنع عنه العلاج الى أن يفوت الأوان ؟ أي بشر نحن الذين أدمنّا الصمت و العجز و لم يعد لنا من وسيلة للمقاومة سوى البكاء ؟  حتى من ظنناهم يناصرون الضعفاء ، بان بالكاشف أنّهم لا يساندون سوى القضايا الرابحة فهم لا يبحثون عن الحقيقة الاّ إذا كان وراءها آلة تصوير توثّق بطولاتهم الواهية . لكن السؤال الجوهري الآن ، هل ستسمح لنفسك بالصمت عن هذه الجريمة ؟ هل ستقتل الإنسان داخلك و تسمح بتشويه الحقيقة ؟ أنت تعرف جيّدا أن أمثال هذا  المسكين لا يملكون قنواتا تلفزيّة و لا منظمات برجوازية تساندهم في قضاياهم ، هم لا يملكون سوى الحقيقة المرّة و ألم الحرقة و عزيمة دافعها الحقد على الظلم و رغبة جامحة في الإنتقام ، أنت الآن في مفترق الطرق و عليك الإختيار، الي أي معسكر سننتمي ، الحرب يا صديقي على الأبواب و أنت لا يمكنك أن تكون محايدا وسط كل هذا الخراب .

صفوان الطرابلسي 
ضد السلطة في 2012/01/05

2 commentaires:

  1. safouen 9issa 7louwa mé mafhemtech alech t7ot moumaredh yekchef ala 7alet maridh.je crois t7ot tabib cé mieux.

    RépondreSupprimer
    Réponses
    1. نعم ، الطبيب هو من قام بعمليّة الكشف ، لكن الممرّض هو من يواكب عمليّة العلاج ، كما أنّه هو أول من استقبل الحالة ، قبل أن يأتي الطبيب
      المهم أرجو أن يكون النص قد نال اعجابك :)

      Supprimer