" لا
شيء يعجبني ..."
يصرخ درويش داخلنا باحثا عن مخرج ، صدورنا ضاقت بآلامنا و أحلامنا لم يعد
لها مكان في الأفق ، أجهضها الجهل و الغباء . سنتان مرتا سريعا على اندلاع ثورة
أراد شعبها اسقاط النظام فسقط في فخ الهويّة الضائعة بين ثنايا الوهم . الرّكب
يسير الى المجهول ، الانسان داخلنا يصارع من أجل البقاء ، يحاول انقاذ ما تبقّى من
البشريّ فينا و انتشالنا من حضيض الرّداءة و الابتذال . لا شيء تغيّر على هذه
الأرض غير تاريخ الاحتفال.
على هذه الأرض فقد الانسان احساسه بالوجود ، أفلت رسن الزّمان من يديه و
بدأ بالتقهقر الى الوراء دون وعي . فرّط في ثمالة الشرف المتبقّية في رصيده ، نزع
عنه الكبرياء و احتفل للسنة الثانية بثورة الكرامة. شرب كأس الذل و المهانة ،
اصطنع أمام الحضور الابتسامة و حين تفرّق المحتفلون و عاد وفد المهنّؤون من حيث
جاء ، سحب ما تبقّى من ذكرياته و تفرّغ للبكاء. سقط في دوّامة الفراغ ، مثل سيزيف
أدمن العدميّة ، حمل الصخرة فوق ظهره دهرا و كان يضنّها قدرا ، لعنة تتبعه الى ما
لا نهاية. أكثر الأشياء غرابة باتت عاجزة على استفزاز مشاعره المحبطة ، جثة حيّة
تسير في شوارع مبهمة التفاصيل ، لا طعم و لا لون و لا حتّى عناوين تكون الدّليل
، حطام يجوب في الحطام . تضيع البوصلة و يفلت زمام الأمور، مظفّر على الرصيف
المقابل يرقص رقصة زوربا على أنقاض الخراب الجميل فلا شيء يعيد النظام لهذا العالم
المجنون " سيكون خرابا ... سيكون خرابا ... هذه الأمّة لابد لها من درس في
التخريب."
متى تؤمن هذه الأمّة أن الحركة قانون الحياة ، متى تحطّم أصنامها و تؤمن
بشبابها و تكفّ عن اجترار الماضي فمستقبلنا الى الأمام. كل زعمائنا شيوخ و كل
صراعاتنا هامشيّة ، عقد مترسّبة من بقايا حروب غابرة تجاوزتها البشريّة بقرون ،
نجري وراء أمجاد لن تعود ، نغوص في قراءة تاريخ الأمم السابقة و ننسى أن تاريخنا
يكتب الآن وهنا و لن يفيدنا نسخ الأحداث فالتاريخ لا يعيد نفسه سوى في أوهامنا. من
يبن الجمل اليائسة يصعد الرفيق ماركس للواجهة " التاريخ يعيد نفسه في المرّة
الأولى كمأساة و في المرّة الثانية كمهزلة " و نحن الآن في أقصى تجلّيات المهزلة.
التاريخ يعيد نفسه في أوطاننا كل دقيقة ، نعيش حياة ليست لنا ، نخوض حرب أجدادنا ،
و نلوي رقابنا كالنعاج و نسلّم بحتميّة القدر، تتعاقب على حكمنا الأنظمة الفاشيّة
منذ الأزل و يتاجر بشرفنا سماسرة السياسة و المتسوّلون على عتبات الدول الكبرى.
لازلنا الى اليوم نباع في سوق النخاسة الدولي بأبخس الأثمان ، تتزايد على لحمنا
الأفخاذ الملكيّة و بارونات الامبرياليّة و حين تتم الصفقة نصفّق بحرارة لبطل
المسرحيّة و نكتفي نحن بدور الضّحيّة.
يصرخ درويش في وجوهنا حانقا " سنصير شعباً حين لا نتلو صلاة الشكر للوطن
المقدَّس، كلما وجد الفقيرُ عشاءَهُ ..." سنصير شعبا حين نضع يدنا على
الجرح النّازف ،القرن الواحد و العشرون و مازال الفلّاحون في سيدي بوزيد و
جندوبة و سليانة يعانون الأمرّين من سوء استغلال و توزيع الاراضي ، حلمهم لا
يتعدّى قرار الاستصلاح الزراعي. ثلاثة آلاف سنة من الحضارة و مازال اهل الجنوب
يمتهنون التهريب ، يخاطرون بحياتهم في سبيل لقمة العيش و ينتفضون كل سنة ضد اغلاق
المعابر. مازال العدل في وطني زائرا عابرا. خمسون سنة من الانفتاح الاقتصادي و اهل
الحوض المنجمي يلعنون الفسفاط و لا يطلبون أكثر من العدل في توزيع الثروات . ستوّن
ستة من استقلال الجمهرية وتأسيس الدولة و سنتان مرتا على الثورة و لازلنا نبحث عن
الكرامة و الكبرياء ، نطالب بالقصاص من قتلت الشهداء و عند المواجهة نكتفي بالدعاء
، هذه الأمة لابد لها من درس في التاريخ ، هذا الشعب لابد أن يكف عن قراءة
العناوين المكتوبة بماء الذهب لأن الحقيقة مدوّنة بالدماء على الهوامش ، يصرخ
مظفّر من جديد " وطني علّمني ... علّمني أن حروف التاريخ مزوّرة حين تكون
بدون دماء ."
سنتان مرّتا
على ثورة شعب أراد تصحيح المسار و كتابة تاريخه بيده ، ترى هل يملك ما يكفي من
دماء ؟
هل يملك ما
يكفي من شجاعة و كبرياء ؟ لأن الأيادي المرتعشة لا تكتب التّاريخ و من يحتفل قبل
الأوان يخسر المعركة ...
صفوان الطرابلسي
ضد السلطة في 21/01/2013
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire