samedi 19 janvier 2013

ثورة في مهب الغباء

" لا شيء يعجبني ..."
يصرخ درويش داخلنا باحثا عن مخرج ، صدورنا ضاقت بآلامنا و أحلامنا لم يعد لها مكان في الأفق ، أجهضها الجهل و الغباء . سنتان مرتا سريعا على اندلاع ثورة أراد شعبها اسقاط النظام فسقط في فخ الهويّة الضائعة بين ثنايا الوهم . الرّكب يسير الى المجهول ، الانسان داخلنا يصارع من أجل البقاء ، يحاول انقاذ ما تبقّى من البشريّ فينا و انتشالنا من حضيض الرّداءة و الابتذال . لا شيء تغيّر على هذه الأرض غير تاريخ الاحتفال.
على هذه الأرض فقد الانسان احساسه بالوجود ، أفلت رسن الزّمان من يديه و بدأ بالتقهقر الى الوراء دون وعي . فرّط في ثمالة الشرف المتبقّية في رصيده ، نزع عنه الكبرياء و احتفل للسنة الثانية بثورة الكرامة. شرب كأس الذل و المهانة ، اصطنع أمام الحضور الابتسامة و حين تفرّق المحتفلون و عاد وفد المهنّؤون من حيث جاء ، سحب ما تبقّى من ذكرياته و تفرّغ للبكاء. سقط في دوّامة الفراغ ، مثل سيزيف أدمن العدميّة ، حمل الصخرة فوق ظهره دهرا و كان يضنّها قدرا ، لعنة تتبعه الى ما لا نهاية. أكثر الأشياء غرابة باتت عاجزة على استفزاز مشاعره المحبطة ، جثة حيّة تسير في شوارع مبهمة التفاصيل ، لا طعم و لا لون و لا حتّى عناوين تكون الدّليل  ، حطام يجوب في الحطام . تضيع البوصلة و يفلت زمام الأمور، مظفّر على الرصيف المقابل يرقص رقصة زوربا على أنقاض الخراب الجميل فلا شيء يعيد النظام لهذا العالم المجنون " سيكون خرابا ... سيكون خرابا ... هذه الأمّة لابد لها من درس في التخريب."
متى تؤمن هذه الأمّة أن الحركة قانون الحياة ، متى تحطّم أصنامها و تؤمن بشبابها و تكفّ عن اجترار الماضي فمستقبلنا الى الأمام. كل زعمائنا شيوخ و كل صراعاتنا هامشيّة ، عقد مترسّبة من بقايا حروب غابرة تجاوزتها البشريّة بقرون ، نجري وراء أمجاد لن تعود ، نغوص في قراءة تاريخ الأمم السابقة و ننسى أن تاريخنا يكتب الآن وهنا و لن يفيدنا نسخ الأحداث فالتاريخ لا يعيد نفسه سوى في أوهامنا. من يبن الجمل اليائسة يصعد الرفيق ماركس للواجهة " التاريخ يعيد نفسه في المرّة الأولى كمأساة و في المرّة الثانية كمهزلة " و نحن الآن في أقصى تجلّيات المهزلة. التاريخ يعيد نفسه في أوطاننا كل دقيقة ، نعيش حياة ليست لنا ، نخوض حرب أجدادنا ، و نلوي رقابنا كالنعاج و نسلّم بحتميّة القدر، تتعاقب على حكمنا الأنظمة الفاشيّة منذ الأزل و يتاجر بشرفنا سماسرة السياسة و المتسوّلون على عتبات الدول الكبرى. لازلنا الى اليوم نباع في سوق النخاسة الدولي بأبخس الأثمان ، تتزايد على لحمنا الأفخاذ الملكيّة و بارونات الامبرياليّة و حين تتم الصفقة نصفّق بحرارة لبطل المسرحيّة و نكتفي نحن بدور الضّحيّة.
يصرخ درويش في وجوهنا حانقا " سنصير شعباً حين لا نتلو صلاة الشكر للوطن المقدَّس، كلما وجد الفقيرُ عشاءَهُ ..."  سنصير شعبا حين نضع يدنا على الجرح النّازف ،القرن الواحد و العشرون و مازال الفلّاحون في سيدي بوزيد و جندوبة و سليانة يعانون الأمرّين من سوء استغلال و توزيع الاراضي ، حلمهم لا يتعدّى قرار الاستصلاح الزراعي. ثلاثة آلاف سنة من الحضارة و مازال اهل الجنوب يمتهنون التهريب ، يخاطرون بحياتهم في سبيل لقمة العيش و ينتفضون كل سنة ضد اغلاق المعابر. مازال العدل في وطني زائرا عابرا. خمسون سنة من الانفتاح الاقتصادي و اهل الحوض المنجمي يلعنون الفسفاط و لا يطلبون أكثر من العدل في توزيع الثروات . ستوّن ستة من استقلال الجمهرية وتأسيس الدولة و سنتان مرتا على الثورة و لازلنا نبحث عن الكرامة و الكبرياء ، نطالب بالقصاص من قتلت الشهداء و عند المواجهة نكتفي بالدعاء ، هذه الأمة لابد لها من درس في التاريخ ، هذا الشعب لابد أن يكف عن قراءة العناوين المكتوبة بماء الذهب لأن الحقيقة مدوّنة بالدماء على الهوامش ، يصرخ مظفّر من جديد " وطني علّمني ... علّمني أن حروف التاريخ مزوّرة حين تكون بدون دماء ."
سنتان مرّتا على ثورة شعب أراد تصحيح المسار و كتابة تاريخه بيده ، ترى هل يملك ما يكفي من دماء ؟
هل يملك ما يكفي من شجاعة و كبرياء ؟ لأن الأيادي المرتعشة لا تكتب التّاريخ و من يحتفل قبل الأوان يخسر المعركة ...

صفوان الطرابلسي
ضد السلطة في 21/01/2013 

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire