تلك المعاناة
الأليمة التي تصاحبك كل صباح حين تستيقظ باكرا و ينهش ما تبقى من جلد على عظمك
البرد كي تلتحق بمقاعد الدراسة. تجمع الملاليم الفارة من أناملك داخل جيبك تعدها و
تعيد عدها عل الرقم يتغير و تتمكن من خلاص تذكرة الميترو و الحافلة و تجنب صراخ
المراقب و المهانة التي تكسر آخر أونصة من كرامتك و هو ينهرك و يلقي عليك درسا في
الأخلاق على الملأ أبشع حتى من الشعيرات المتدلية على ذقنه و التي تبعث فيك رغبة
في التقيء كل صباح.
تجلس على
منضدة المشرب بالجامعة تطلب قهوة مرة بمرارة أيامك، تشربها و تبحث عن نفس سيجارة
حتى تقبلها بنهم كعاشق متألم.
تحملق في
شعرك المرتب ملابسك لحيتك المحلوقة بعناية رائحة العطر (الصبة) التي تحاول بها
اخفاء رائحة العرق جراء الجري وراء الحافلة الصفراء كل هذا كي تعطي ذاك الانطباع
الزائف حول الطالب طالب العلم المثالي بينما في الواقع لست سوى نسخة سيئة من نجوم
السينما التجارية و مقدمي الأخبار في ستراتهم الباهضة.
تسأل نفسك كل
صباح ان كان لما تقوم به يوميا معنا ان كنت فعلا في حاجة الى حشو عقلك بأفكار
مسقطة و برامج تعليمية عليلة تزيد في تخديرك كي تبقى عاجزا عن التفكير خارج السرب
كي تبقى خانعا راضخا للنظام كي لا تكون على الهامش لكنك تدفع كل مرة تلك الأفكار و
تواصل لهيثك نحو الحلم التونسي ...عامل ببنك أو أستاذ جامعي أو طبيب أو مهندس و
لما لا تكون طيارا.
و مع تقدم
الأيام يضيق بك الحلم شهادتك الجامعية دعوات أمك كل صباح تجاعيد الهم هجمت على
وجنتيك مقهى الحي الكريه كل ما يحيط بك يصبح رثا غرفتك أصدقاؤك الوجوه المارة في
الشارع كلها كئيبة عابسة ليست سوى جثث بثت فيها سويعات من الحياة الشوارع الضيقة
البطالة الفقر المذلة التي تصاحبك يوميا بينما تمد يدك لوالدتك مطأطا الرأس.فتحاول
تزيين كل تلك المهن الرذيلة الذليلة و تجتاحك فكرة الالتحاق بجهاز الأمن أو الجيش
الوطني جدا تحملق بأعين حالمة في صورة رشيد عمار حامي الوطن في صورة علي طرشقانة
لم لا تكون مثلهما يوما ما .تنسى أو تتناسى أن رجل الأمن مهما كان شريفا يبقى نذلا
و أن العسكر مهما كان وطنيا يبقى قاتلا و أن الموظف السامي مهما كان نظيفا يبقى لا
مبدئيا و أن عصى البوليس وان كانت وردية تبقى قاصمة لكلمة الحق و ان الكمبة و ان
كانت بيضاء فهي ملطخة بدم الشعب قبل أن تلطخ بدم الغزاة تنسى كل ذلك تنسى مطاردة
رجال الأمن لك في مسيرة عابرة حين طالبت بالشغل يوما ما و أيام الرافل و الرعب
الذي يصحب تلك الكلمة تنسى أنك لعنت الجيش حين مات أبوك في ثورة قيل عنها ثورة
الخبز و حين مات أخوك على يدي قناص قبل ثلاث سنوات تنسى كل ذلك و تقدم مطلبا في
التخلي عن رجولتك و التخلي عن انسانيتك و تلتحق بجهاز اللاأمن جهاز الرعب و
الارهاب.
خلدون باجي
عكاز
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire