vendredi 1 novembre 2013

التيقانا



عادل التليلي، في عمرو واحد و ثلاثين سنة. مشهور في الحومة بٱسم التِّيڤانا، الملّاسين الكل تعرفو، مـ النجاح لأولاد عيّار. كحلوش، مترفس، في رقبتو ضربة قديمة هابطة علاها لحية خفيفة، ذراعاتو عراض، بوكسار قديم. عمل كرش من نهارت إللي خرج مـ الحبس. روّح في أول ألفين و عشرة، عدّى سبعة سنين، التّهمة ترويج، مخدرات صنف "ب"، زطلة.
عكس برشة ناس لزهم الدّهر، التِّيڤانا ما كانش محتاج حتّى يطيح للدنك. أمّو تعيّطلو العضمة الحارمة بعد اللي خوه الكبير مهندس و خوه الصّغير عامل ماستير بروفيسيونال في الإعلامية المطبقة على التصرّف و هاو السنا بعد ثلاثة سنين تشحتيف دبّر كونترا في الخليج.
وحدو التِّيڤانا ما فلح في شي، القراية كرهها مـ الصغرة و بطّلها، الصنعة ما طاقهاش و فد مـ الحصرة، متفرّغ بدوام كامل للهملة. حتّى في السپور، تغرم بالبوكس، مش على خاطر يحب يولّي بطل أولمبي كي محمد علي كلاي، أما باش ما يحلّب عليه حد في حومتو. إدرّب عند واحد من أعز أونترونرات البوكس في تونس، عمّك خميّس الرّفاعي و ما ندراك، ولد حومتو، هزّو للصّالة، عمّل يخرّج منّو الڤرينتا و يردو شومبيون، أما التِّيڤانا النّافع ربّي مخّو فيه حاجة وحدة: الهملة.
كبر في العمر و كبرت معاه مشاكلو، الهملة لازمها فلوس و الفلوس لازمها خدمة و الخدمة ما يهضمهاش و ما عندوش في يدّو صنعة. على هذاكا ختار حاجة على قياسو، دورها لحام. مش لحام صحّي ! يلحم في الزّطلة، خدمة تتوفر فاها الحاجتين إلّي يحبهم، الفلوس و الهملة الدّايمة.
بدى الكريار بكري، تسعطاش سنا السيّد بكليوناتو، يصول و يجول في زناقي الملّاسين، سلعتو نطيفة، يتدلل و ذارعو علّاف عمرو ما خانو. زيد الطفل ناس ملاح، يحب خدمتو و أصحابو، يحب أولاد حومتو، خصوصا الزواولة. يجيب سلعتو، يقسّمها مليح، يحسبها، يضرب أخماسو في أسداسو و يبدى يبيع، أول ما يجيب طوالو و يخلّص روحو يبدى يوفّي، إللي عندو يتكيّف بزايد و إللي ما عندوش ميسالش يتكيّف اليوم و يخلّص يا من عاش. عمل برشه حبيبات و عمل برشه خنن و دوانة و عداوات.
و كيما أي واحد يخدم في ها الدّومان لازم يجي نهار و يطيح، التِّيڤانا بدى بكري و طاح بكري، دخل للحبس. خرج عام ألفين و عشرة عمرو سبعة و عشرين سنة، أحلى أيّامات عمرو عدّاهم في قلبو، وسخ و قمل و هم، عرف اللّاريا و الشّمبري و السيلون و بيت الصّيودة. بال في حفرة البول، عانا مـ الكبرانه الطّحّانة و الڤرديانات المنيكين.
خرج عبد آخر، لقى البلاد زادة في حالة أخرى، الحيوط ما تبدلتش أما العباد و العيشة تبدلت ياسر. الغلى، الهم، البطالة، المرض، التعب، الظلم، كل شيء زاد، الحاكم كثّر على ما وصّاووه، النّاس خلايقهم تسكرت. كان يتصوّر روحو أتعس واحد آخي طلع الحال من بعضو، تونس الكلها حبس كبير.
الرّاجل تليّع صحيح، كبر و تعب و تمرمد، العام في الحبس بعشرة، أما التِّيڤانا فيه حاجات ما تتبدّلش، بلادتو هي بيدها، التنبير و التمقعير، قعداتو الحلوّة، رجوليتو، كسوحيّة راسو، مخوّ مازال صاحي ما غفّقش في النّدى.
ستة شهر من زمان، عاودو حلولو عينيه على الدّنيا، كينّو ما تربطش نهار، رجع يصول و يجول. دبّر راس مال، شرى سلعة، كيسان و أصحنة بلّار و هبط نصب باهم في شارع روما، تحت ليسي بيلوت، النموذجي. حلف بالحرام، "الحبس للرّجال صحيح أما الرّاجل ما يخراش فيه زادة".
البارح خطب سناء، جارتهم و صاحبتو من قبل ما يزور دار خالتو، هو كان يحبها، طفلة حشّامة و بنت عايلة، أما ما تصوّرش إللي هي تحبو لها الدّرجة، ستنّاتو سبعة سنين. ما وعدها بشي و استنّاتو، كانت ديما تبعثلو في الجوابات و اطيبلو الماكلة إلّي يحبها باش يهزهالو خوه مع القفّة. ديما تطل على أمو و بوه، عمرها ما قطعتهم نهار، اتصبرهم و يصبروها، ابيها كيكس ملّول شوي، مبعد سكت، العايلة دافين و ما عدنا ما نقولو فاهم و التِّيڤانا ضايع صحيح أما راجل و النّاس الكل تشهدلو.
 على هذاكا حلف ما يفرّط فاها و كان تفنى الدنيا. ستوى روحو، في الثلاثة سنين خدم ألف خدمة. تاجر بالبلاّر، خدم في المرمّة و الدّهينة، باع حتى ماكينات الحجامة الجوطابل في سوق الملّاسين. تقطّع باش خذى الپرمي، يحلم باش يعمل ايسيزي و يكمل يبني الدّار بعد ما تنازلولو خواتو على الهوى. صب الدّالة و مبعد وقّف كل شي. حال البلاد واقف، الثورة و الغلى و الميزيريا، راس مالو كلاتو المرمّة و الزيادات.
التِّيڤانا عمرو ما يحير، لوج على حاجة يبيعها من غير راس مال كبير. أهبط لوسط البلاد أتو تلقاه ناصب في مدخل شارع باريس، مقابل الپاساج، محطّة المترو، تحت حيط الغالوري سات، نصبة حمرة صغيرة، يبيع في القلوب، مش القلوب إلّي تتاكل ! قلوب الحب، برتكليات يكتب علاهم أسامي الكوپلوات: إيصوّر علاهم قلب أحمر تحتو كلمة لوف، حب بالإنڤليز.
الصباح يفك بلاصة لنصبتو، ما بين زرڤة بيّاع البورطابلوات الشنوه و حمّادي بيّاع شقاشق البنات. لعشيّة يروّح مع المغرب، كان شتاء يركش في قهوة سارّة كان صيف يعمّر صاحبو حسين باش ينحّي الكرهبة متاع بوه و يهبطو للمرسى، ينصبو على الكرنيش، خدمة و تفرهيدة.
النصّابة صحابو في وسط البلاد يعيطولو العزّام، يكتب حجابات الحب. كي يرى كوپل متعدّي عينيه تلمع و ريڤتو تسيل: "إيجاو نكتبلكم، حجيّب من عند التِّيڤانا يربطكم العمر الكل، الحب مش عيب يا مسيو، الحب مش عيب يا دوموازيل". خدمة بسيطة، أما عامل علاها جو، على الأقل مش مخليتو يمد يدّو و إلاّ يرجع للخنن.
حاجة وحدة منغصة عليه، معيفتو في حياتو، هي البلدية و الحاكم، نهار نهارين و هوما صادمين علاهم، تلقاه هازز النصبة يجري باها في الزّناقي، مهبول. مسيبين مجرمة البلاد الكل و شادين في الزّواولة إلّي تلقّت في الخبزة مـ التروتوارات. لتو ما فهم الشعب هذا علاش عمل ثورة. كـ خرج مـ الحبس و سمع الناس تعيّط بن علي ديڤاج تمهمش، تصدم، أول مرّة حس روحو يحب البلاد هذي: "الشعب ڤارح، عندو النيف. غدوة المحتحتين باش نولو لاباس و الملّاسين تولي لاس فيغاس".
النّافع ربّي، شيء ما يتبدل، لتو في هاك السّردوك نريشو، دخل للحبس خلّى البوليس يحاوز في النصّابة، خرج بعد سبعة سنين و ثورة يلقاه مزال يحاوز فاهم و بٱسم الثورة يمرمد فاهم. ديما يسئلهم و يسئل روحو: "آخي الثّورة علاش صارت؟ علاش شعلت البلاد هي؟ مش على خاطر فادية حمدي ضربت البوعزيزي بكف كـ ما خلّهاش تفكلو النّصبة و سبها. طلعتلو لراسو شعل روحو و شعّل البلاد و العالم معاه. في الأيامات لولة متع الثورة النّاس الكل تحلف بسمو، في الشوارع و التفزة، توّا تنسى، كيما تنسى الزوالي و المضروب و الشهيد".
رجع التِّيڤانا يكالي في نصبتو. مڤطّع مـ الحاكم و البلديّة. ديما ماخذ حذرو. يبيع و يسڤّص ما تعرش منين يطلعوا كـ الجنون. ما يفرتش السّلعة الكل. الباش إلّي فارشو نص لفّة باش كان هدّو يلكمتو في رمشة عين و يحط شلاكتو تحت ضبّوطو و يقول فاها حت، إلّي عندو ساڤين يخلط: "يلعن بو الوقت الكلب و برّى، كان مش الخبزة المرّة، كان مش المرّمة الحالة فمها، كان مش لعزوزة و الشايب كبرو، كان مش سناء تستنى و إبّيها شاد ڤول. راو نهار حلّيت فاهم فتريّة".
عملة تقعد تاريخ، كـ البوعزيزي، أما التِّيڤانا ما يحرڤش روحو، يحرڤهم هوما و يسيبهم يتشوشطو في وسط الكيّاس، عبرة، البلاد الكل تشهد علاهم.
 يعدّيها بضحكة و تنبيرة، تي نهار صحافي يعمل في روپورتاج ع النصّابة، الإنتصاب الفوضوي، تعدّى عليه و سئلو على مشاكلو. ضحك التِّيڤانا: "يا معلم، كان يبعدنا الحاكم تو أمورنا تولّي لاباس، توّا صحابي مـ اللزز ناصبين بسلعة شنوة مكنترة، نڤولوا يضرّوا في الإقتصاد. أما أنا شمدخّلني، قاعد نبيع في الحب. وإلا شنيّة حتّى الحب باش ندفعو عليه التّاكس؟".

صفوان الطرابلسي
















samedi 12 octobre 2013

شبعة قضايا



بين شباب الثورة و محكمة باب بنات قصّة حب لا ترى النّور، قصّة حب مدفونة بين الشمبري و اللّارية و الجييول. الخميس 26 سبتمبر تحكم على أحمد بن أحمد مغنّي الرّاب المعروف بـ كلاي بي. بي. جي، ولد باب جديد، بـ ستة أشهر سجن مع النفاذ العاجل على خلفيّة الأغاني إلّي غنّاهم في حفلة بمهرجان الحمّامات. نهار 27 سبتمبر 2013 وقفت الطّالبة مروى المعلاوي، عمرها عشرين سنه، أمام قاضي التحقيق بعد ما رفعت باها وزيرة المرأة سهام بادي قضيّة في الثلب بـ سبب شعار ما عجبهاش خلال مظاهرة أمام وزارة المرأة نهار 27 مارس، يعني بعد ستّة شهر. نهار 02 أكتوبر 2013 وقفت ياسمين المباركي، طفلة عمرها 17 سنة، تقرى أولى ثنوي في ليسي خزندار، أمام قاضي التحقيق بتهمة المؤامرة الواقعة بالتعدّي على موضّف عمومي، تهمة تهز ورى الشمس، فقط لأنو ياسمين ضربت حيط المحكمة بعضمة خلال الوقفة الإحتجاجية إلّي عملوها الممثلين نهار محاكمة نصر الدين السهيلي الأولى بعد ما تقرر التحفّض عليه. نهار 1 أكتوبر 2013 وقف صابر المرايحي قدّام القاضي من جديد وين تم تأجيل قضيتو لنهار 19 نوفمبر 2013 على خاطر المدّعي، عون الأمن المتّهمو بمحاولة القتل، ما جاش لا هو و لا محاميه. و مازلنا نستنّاو ليّامات في محاكمة فتحي الجلايلي، طور التعقيب، بعد ما تحكم عليه بأربعة سنين، في ما يخص إتهامو بحرق مركز منفلوري إلّي عمرو ما تحرق. فتحي الجلايلي قاعد يعاني اليوم في الحبس، ظلم و قهر و تعذيب، فتحي إلّي مخلّي وراه عائلة في حالة مزرية تبكّي الحجر، كان يخدم على جالها عسّاس، عسّاس في باركينغ يحمي في كراهب الكرز.
 هذي عينة صغيرة مـ المحاكمات إلّي قاعدة تصير اليوم، شباب كيف الورد، أعمارهم ما تتجاوزش الخمسة و ثلاثين سنة، أولاد حوم شعبيّة، ناشطين، طلبة و  تلامذة و فنّانين و بطّالة و خدّامة حزام زواولة، ذنبهم الوحيد أنهم تكلموا و فاهم حتّي إلّي تحشالو قبل ما يخلط يتكلّم. إنك تكون شاب في تونس، عندك طاقة و تحلم بغد أفضل، هذا في حد ذاتو تهمة تدخلك للحبس.


ص.ط 



samedi 5 octobre 2013

كرطوشة في الجداق



 صبري السفّاري، مواطن عمرو ثنينه و عشرين عام، يعيش في معتمديّة سيدي علوان من ولاية المهديّه. كـ الزّاوله الكل صبري ما يعرش شنيّه معنتها "سامدي سوار" ، على هذاكا نهار السبت ليه كـ ليّمات لخرين، يعدّيهم في الحومه بين لصحاب و كـ يقلق يمشي يشري بميتين قلوب و يركش تحت أول حيط. نهار السبت 21 سبتمبر، صبري خرج في الليل كـ ما مستانس. شرى القلوب و ركش حذى أولاد الحومه. كونفة شباب بطّال و قالق. بشطر السيڤارو، هات جغمه فنته، رشفه إكسپراس. پسسسسسست، يا حوته، أركح بنت حومه، ضحكه، غنايه راپ، تنبيره. قلق، قلق. التسعة و نص، دوريّه متعديه. راوهم، هبطولهم. فرييين، فيتاس، لولاد ڤطّعوا. الخوف مـ البوليس رفلاكس عند ولد الحومه، عادي يتحشالك بلاش سبب، عادي تتلفقلك تهمه. واحد برك ما ڤطّعش، صاحبنا صبري السّفاري: "ما عندي شي، فركسوني". في عرف الحاكم هذي تتسمّة حڤره. "الفرخ حلّب علينا. ما يخافش؟" هبطولوا، فركسوه، سئلوه، تلكشو عليه. الرّاجل عندو النيف، ما سكتّلهمش. سبّولوا أمّو، كفروا عليه. كلمه، زوز، عشره من صبري، لعوان تخمروا و دخلوا عليه بالضّرب. كفّ و مشطه و متراك. الطفل كاسح، تربية مراء: "اللي يطيحلك قدرك ما ترحموش". هوما يضربوا و هو يضرب. واحد منهم، ستّه شهور دوره تدريبيه سريعه. فرخ، نديد صبري. دوّر الشطاير، حطّهالو على فمو. طرّف، أعطيه. هربت الدوريّه، خرجوا لعباد، عاري و لابس. صبري طايح في الوطاء. فمّو طروف في الكيّاس، السنّين في شيره، الدڤنونه في شيره. دمّي يا ميما وردي، صوّر خبزه ع الكيّاس. مشهد ما تنجّم تراه كان في أفلام الرّعب، "السّاو" و "ريزيدونت إيفل" و "كانيبال هولوكوست". أهالي سيدي علوان في المركز. فمّا أخبار دارت على تهريب عون الأمن و أنّو زملاؤه كتبوا في المحضر اللي الإصابة صارت وقت صبري و مجموعة معاه حاولوا يتهجموا ع المركز. أم صبري واقفة في وسط إمواليها و جيرانها و إتعيّط مع أم الفاضل ساسي: "نحبّ حق ولدي". تحت الضغط تم توقيف العون و الداخليه خرجت بيان: "إصابة صبري السفاري سببها عيار ناريّ على وجه الخطأ". صبري في العنايه المركزه في سبيطار المهديّه، بين الحياة و الحياة. و الحاكم يقعد طول عمرو حاكم.

صفوان الطرابلسي
نشر بجريدة ضد السلطة





vendredi 27 septembre 2013

مهدي الغانمي : النضال من أجل "حق العوودة"

بدأت القصّة حينما قرر مهدي الغانمي العودة للدراسة بعد انقطاع دام لمدّة أربع سنوات. كان سابقا طالبا بالمعهد العالي لفنون الملتيميديا بجامعة منّوبة، شعبة السينما، انضم لها خلال السنة الدراسيّة 2007/2008 و إنقطع عنها سنة 2008/2009. إنقطاعه لم يكن أمرا اختياريا بل ضرورة، سياق منطقي لحالته الماديّة المتواضعة. مهدي الغانمي أصيل منطقة راس الجبل بولاية بنزرت، ينحدر من عائلة بسيطة و حي شعبي متواضع. فتى موهوب، شاعر واعد، مقاوم صلب، نزل إلى العاصمة بآمال كبيرة، حلم الشعر و الثورة و الحرّية، لكن الوضع المادي المتدهور اضطره إلى مغادرة قاعات الدراسة و العمل في حضائر البناء و ذلك لأنه حسب تعبيره أحد الطلبة التعساء " الذين وفرت لهم الدولة مبيتات أشبه بالسجون ومعتقلات التعذيب، الطلبة أنفسُهم الذين لا يتمتعون بمجانية النقل و لا مجانية الدخول للمتاحف و التظاهرات الفنية، الطلبة الذين ينزحون من الدواخل ليتشرّدوا في المدن الكبرى لأن المنحة الجامعية لا تغطي حتى مصاريف أكل كلب محترم من كلاب الأحياء الراقية."
هكذا تشرّد مهدي في شوارع العاصمة، و قد حالفني الحظ أن أسمع عنه و أن ألتقي به و أتعلّم منه الكثير. كان حاضرا في أكبر المحافل النضالية قبل الثورة و بعدها. رجل صلب و مقاوم، و اظنّه السبب الحقيقي لرفض الوزارة اليوم إعادة ترسيمه، لأن مهدي و إن كان قد غادر مقاعد الدراسة إلّا أنه حافظ على انتمائه للجامعة طيلة هذه الفترة و كان دائم الاحتكاك بالواقع الطلّابي و الثقافي في البلاد. 
و لمن لا يعرف مهدي، هو شاعر موهوب، كتاباته مخضّبة بالمولوتوف و قضائده سريعة الإشتعال، هو أكبر من يحفظ للماغوط و النّواب و أفضل من يلقى قصائد درويش. هو أحسن من يسرد وقائع التاريخ، يحمل في جمجمته الصّغيرة آلاف الحكايات. كثيرا ما كان يجلس ليحدّثنا عن الصراعات التاريخيّة الكبرى التي حددت ملامح البشريّة و كأنه يتحدّث عن "عركة في الحومة"، بكل بساطة و فكاهة يسردها كما يسرد على مسامعنا مغامراته في حضائر البناء في ملاحة رادس و باردو و السّيجومي و مع أولاد الحومة في راس الجبل. هذا الصنف من البشر سيكون عنصرا خطيرا داخل الجامعة و ذلك وجب حرمانه من العودة إلى حرمها خصوصا في هذه المدّة الحرجة التي تتخبّط فيها الحكومة في أزمات سياسيّة و إجتماعيّة يلعب الطلبة دورا فاعلا في مجرياتها. 
و لكي لا نطيل، هذا العام أراد مهدي العودة إلى الجامعة و استكمال مسار دراسته لكن الوزارة رفضت بموجب منشور أصدره الوزير يمنع فيه "الترسيم الرّابع". ليتيقن الجميع أن التعليم المجاني و التعليم مدى الحياة، مجرّد شعارات جوفاء تندثر ما إن ترتطم بالواقع المرير. لكن الشاب مهدي لم يستسلم و قرر المقاومة و قد بدأ بأول خطوة و هي الرّسالة الشّهيرة التي أرسلها للوزير يدعوه فيها  بأن يبتعد عن شمسه و أن يطلق حريته و أن لا يضطرّه في المستقبل للكتابة بالدّم بدل الحبر و ها نحن نرفق هذا المقال بنسخة من الرّسالة كانت قد نشرت على الصفحة سابقا.  ننصح الجميع بالإطلاع عليها لأنها تمثل نصا أدبيا رائعا و درسا في المقاوة و الصمود. مهدي الغانمي لن يستسلم حتّى و لو اضطر إلى الكتابة بدمائه على أرصفة هذا الوطن. اليوم يحرمون مهدي من حقه في الدراسة بتعلّة واهية و غدا سيحرمون شعبا بكامله. لذلك نطلب من الجميع مساندة مهدي الغانمي و باقي زملاءة المحرومين من "حق العودة"، يوم الإثنين 30 سبتمبر موعد إنطلاق إعتصام الطلبة من أجل الترسيم الرابع داخل مقر وزارة التعليم العالي و البحث العليمي و التكنلوجي  و ذالك على السّاعة التاسعة صباحا.


صفوان الطرابلسي

نص رسالة مهدي الغانمي إلى وزير التعليم العالي
http://anarchistboy01.blogspot.com/2013/09/blog-post_26.html?spref=fb

30 سبتمبر 2013 إنطلاق إعتصام الطلبة من أجل الترسيم الرّابع 
https://www.facebook.com/events/1421093728113327/?ref=22

jeudi 26 septembre 2013

أريد فقط... أن تبتعد عن شمسي

التعليم الماجاني و التعليم مدى الحياة، كذبة إبريل على مدار السنة، كليشيهات، شعارات جوفاء، تندثر ما إن ترتطم بالواقع المرير. اليوم يحرمون مهدي من حقه في الدراسة بتعلّة واهية و غدا سيحرمون شعبا بكامله...
هذه رسالة الطّالب مهدي الغانمي إلى السّيّد وزير التعليم الواطي و البحث الهلامي، نص أدبي يستحق المطالعة و قضيّة عادلة تستحق النظال من أجلها. بالتّالي تعلن مدوّنة  "Résistance Urbaine" مساندتها لمهدي الغانمي دون أي قيد أو شرط .


عتبة وزارة التعليم العالي - تونس 
في 23 سبتمبر 2013

إلى السّيد وزير التعليم العالي و البحث العلمي و التكنولوجيا

الموضوع: أريد فقط .. أن تبتعد عن شمسي

"
ســــلامـــًــا"..
أمّا بعد،
حين يغدو الأمل أقسى ضروب التسوّل وتصبح شحّاذا يتوسّل من الدولة حقا من حقوقه الطبيعية يصبح وجودك كلّه مدعاةً للشفقة والضحك في آن.
أضحك كثيرا و أتألّم كثيرا حين أقرأ صيغ المطالب المقدّمة للمسؤولين. تلك الصّيغ الرّكيكة والمنافية للحياء التي حوّلت المواطن من مُطالِبٍ بحقّه في شروط الحياة الدنيا إلى شحّاذ على عتبات مؤسّسات التسوّل الرسميّ. فقد تنتظرون أن أكتب مثلا:
مطلب عودة بعد انقطاع.
إنّي الممضي أسفله مهدي الغانمي صاحب بطاقة التعريف الوطنية عـــــــــــــ 08943622ـــدد و الصّادرة في 18 فيفري 2013 بتونس و المرسّم بالسنة الأولى من شعبة السينما: تقنيات السمعي البصري بالمعهد العالي لفنون الملتيميديا بمنّوبة للسنة الجامعية 2007/2008، انقطعت عن الدراسة منذ السّنة الجامعية 2008/2009 بسبب الظّروف الاجتماعية القاهرة التي انتشلتني من مقاعد الدراسة وألقت بي في حضائر البناء حتّى أوفّر لي ولعائلتي الشرط الأساسيّ الذي يجعل الكائن- بغض النظر عن نوعه- مستمرا في الحياة.
أتقدم إليكم بطلب تمكيني من فرصة ثانية للعودة إلى مقاعد الجامعة و أرجو أن تنظروا إلى مطلبي هذا بعين القبول..
مع جزيل الشكر وفائق الاحترام .
الإمضاء

...
سيدي الوزير، تمعّن في الصّياغة جيدا. ألا ترى الذّل يقطر من حروفها؟ ألا تطالعك العبودية وهي ترزح تحت أرقامها؟ إذن دعك من هذا، ولا تنتظر منّي أمرا مماثلا.
سأكتفي فقط بأن أطرح عليك بعض الأسئلة (باعتبارك مسؤولا).
لقد أصدرت بجرّة قلم واحدة وبإمضاء لم يستغرق أكثر من ثانيتيْن منشورا يمنع الطلبة المستوفين حقّهم في الترسيم من العودة إلى الدراسة. 
فهل فكّرت لثانية واحدة قبل الثانيتيْن في الأسباب التي دفعتهم إلى الانقطاع؟ 
إنّ أولئك الطلبة الذين ينقطعون عن الدراسة و يضطرّون إلى الانتقال من مدارج الكلّيات إلى حضائر البناء (المرمّة) والانتصاب لبيع السجائر و بيع السلع المهرّبة و المعدنوس .. -هذا ليس حكرا عليك سيدي الوزير- هم الطلبة أنفسهم الذين "وفرت" لهم الدولة مبيتات أشبه بالسجون ومعتقلات التعذيب، الطلبة أنفسُهم الذين لا يتمتعون بمجانية النقل و لا مجانية الدخول للمتاحف و التظاهرات الفنية، الطلبة الذين ينزحون من الدواخل ليتشرّدوا في المدن الكبرى لأن المنحة الجامعية لا تغطي حتى مصاريف أكل كلب محترم من كلاب الأحياء الراقية. أولئك الطلبة لا يطلبون غير ركن قصيّ في قاعة درس في الجامعة، لا يطلبون سوى فرصة ثانية لإعادة بناء حياتهم المحطّمة أصلا.
ألم تفكر لحظة واحدة في مصيرهم بعد أن اتخذت قرارك؟
أم أنك لا تجد مقتطعا من وقتك الثمين لكي تفكّر؟
تخيّل للحظة أيّ حياة يمكن أن يعيشها طالب تحطّمت آماله بمجرد جرّة قلم غير مسؤول (ومن البداهة أنّ القلم لا يشعر ولا يفكّر) من "مسؤول" سامي في الدولة:
1-
مثلا، قد يلقي بنفسه في قارب من قوارب الموت حلما بالقارة العجوز حيث للذّل و الهوان وعدم الاحترام مقابلٌ محترم. قد يحالفه الحظ ويصبح "مواطنا" بالخارج وقد يغرق لتأكل جثته أسماك البحر الأبيض المتوسط.
2-
قد يسقط مثلا في إدمان الخمر والمخدرات لينسى أحلامه المنهوبة وربما يتطور به الأمر ليصبح عضوا في عصابة تهريب أو سرقة إلخ إلخ. لن يفكر حينها في القوانين التي حطمت حياته وقد استوت الأضداد أمامه، لن يخيفه السجن، سيجازف فإما أن يصير كائنا بشريّا وإما أن ينتهي إلى زنزانة تأكل فيها الحشرات والفئران لحمه المشوّه بالندوب بعد أن أكل اليأس روحه.
3-
قد يعتقد أن الله غاضب منه، لذلك تحطمت حياته. وللتكفير عن ذنوبه عليه أن ينخرط في مجموعة جهادية ويحاول أن يعوّض ما خسره في الدنيا ربحا للآخرة. حينها لن يمنعه أي وازع أو قانون من القيام بأعمال إرهابية. قد ينجح في إقامة إمارة لاستبدال القوانين التي ذبحته بقوانين أخرى يذبح بها وقد يأكل جسده الرصاص في مواجهة ما، بين "الشعانبي" و "قاسيون".
4-
قد يوظّف قدرته لخدمة أي جهاز مخابراتي أجنبي ويبيع هذا الوطن بحفنة من الدولارات، فإن حالفه الستر نجح في أن يكون "ممثلا" حكوميا تحت قميص هوليودي أو "مُـ..عارض" أزياء باريسي... وإن انفضح أمر خيانته أكلت الشعارات لحمه الرخيص ولا تستغرب الأمر فكثير من العملاء في هذه البلاد لم يتخطّوا السنة الأولى من التعليم الجامعيّ وتكفيك نظرة خاطفة على المشهد لتعرف لأيّ جهة يعملون.
أما بالنسبة إليّ فلا يعنيني هذا كلّه.. فقط أتذكّر في هذه اللحظة قصة ديوجين -ذلك الفيلسوف الذي قضّى حياته مُهمّشا يسكن برميلا- حين أتاه الإسكندر الأكبر ملك العالم و عرض عليه أن يمنحه كلّ ما يطلب، فأجابه ديوجين:
-
إنك تقف أمامي و تحجب عنّي أشعة الشمس، لا أريد شيئا. فقط ابتعد عن شمسي.
قال الإسكندر المقدوني:
-
لو لم أكن الإسكندر لتمنيت أن أكون ديوجين.
..
أنا أيضا لا أطلب منك شيئا ولا أرغب في إثارة اهتمامك أو في جعلك تتمنى أن تكون مثلي. أنا أطلب منك فقط أن تبتعد عن شمسي. 
لن أرمي بنفسي في عرض البحر ولن أكون مجرما ولا إرهابيا ولا عميلا .. فقط سأكون ذلك الحالم بالشمس، وسوف أنفق في سبيل ذلك كل ما أملك من طاقة وحبر وأوراق. ولن يكون الظلم الذي تعرّضت له سوى دافع للحرية والانعتاق بعيدا عن كلّ الحسابات لأنّني سيّدي الوزير ببساطة " لا آمل في شيء.. لا أخشى شيئا.. ، فأنا حرّ". وهي الجملة التي طلب المفكر والمبدع اليوناني نيكوس كازنتزاكيس أن توضع على شاهدة قبره. إنها الحرية القصوى التي لا يمتلكها إلا أولئك الذين يحاولون دائما التحديق في وجه الشمس. أولئك الذين كابدوا من أجل تحقيق حريتهم وإنسانيتهم بالاحتجاج والتمرّد والفنّ والفكر في هذا العالم المتوحّش. أجل سيدي، أرغب أن أحدّثك عن 150 شاعرا من 47 دولة انتحروا في القرن العشرين. 150 شاعرا اختاروا الحرية حتى وإن كان الموت سبيلا إليها وعبّروا بأرقى أساليب العنف الرمزي وأكثرها إثارة عن احتجاجهم على الظّلم، لذلك نطقوا جملة " أنا أموت إذن أنا موجود" بأكثر من عشرين لغة وبمائة وخمسين طريقة مختلفة من ماياكوفسكي إلى سيلفيا بلاث، من خليل حاوي إلى سيرغي يسينين. وكذلك فعل أكثر من روائي ومسرحي وعالم وثائر من سقراط إلى الحلاج مرورا بجان دارك وصولا إلى هيمنغواي، وفعلها في تونس شاعر آخر في بداية القرن الحادي و العشرين وهو محمد البوعزيزي الذي جعلك سيّدي الوزير- بقصيدة واحدة عنوانها الكرامة أوالموت- تخرج من سجنك لتجلس في مكتبك الفاخر والمكيف. كلهم ماتوا، ولكنهم نجحوا بعد موتهم "في تحويل غيابهم إلى زلزال" على حد عبارة سليم بركات. وطبعا أنت تعرف أن أخطر ما يكتبه الإنسان لا يكتبه بالحبر بل بدمه. إن من يضع أمام عينيه السجن والموت ضريبةً لتحقيق إنسانيته لن يمنعه أي حاجز من الوصول إلى ذلك. التحديق في وجه الشمس أمر صعب حقا على أولئك الذين تعوّدوا الاسترخاء في قصورهم الفخمة، ولكنه أمر هيّن بالنسبة إلى الذين قضوا سنوات حياتهم تحت أشعتها حتى غدت أرواحهم موشومة بلهبِها أو الذين قضوا أغلب وقتهم في مطاردتها في الكتب واللوحات و الأغاني..
حين تتحول الكتابة بالحبر إلى وسيلة غير مجدية للتعبير عن محنة الوجود الإنساني، يجب أن نكتب بدمائنا لأن "ما يكتب بالدم لا يقرأ فقط بل يُحفظ عن ظهر قلب" كما يقول فريدريك نيتشه.
لذلك كله وغيره كثير، أطلب منك أن تبتعد عن شمسي، ها أنا الآن أكتب بالحبر، وقد أضطر يوما للكتابة بدمي على الجدران وأرصفة الشوارع.
وفي النهاية أقول لإخوتي الطلبة الذين حُرموا من حقهم في الدراسة:
"
إذا متّ فاتركوا الشّرفة مفتوحة" /غارسيا لوركا.



مهدي الغانمي


dimanche 15 septembre 2013

جيفارا النّبي المسلّح



نتفكّر كِـ بدات الثورة التونسية، خرجوا الناس، هازّين تصاور ڤيفارا، الـ تشي، بِـ جنب علامات تونس و حشّاد، مراول و سيكان و شاپووات و أعلام و پينسوات. ڤيفارا، الثائر و الإنسان، شعار لِـ الثورة. راجل شجاع خذى من قضيّة تحرير الشعوب، مِـ الاستبداد، مِـ الظلم، مِـ القهر، أساس لِـ حياتو اللّي عدّاها مناضل ڤدع، ما رماش سلاحو حتّى استشهد.
الـ تشي، شبوبيّه و لعب، ها الصخط، لحيه و شعر طويل، فيريل، رجولي، كاريزماتيك، عينين كحله واسعه و حزينه، زي عسكري بالح، صدر محلول، برودكان مغبّر. خرّج موس بوسعديّه من جيبو، نحّى الطرف اللّي يشعل من سيڤار الهافانا، جيّف تلقى ما تتكيّف. حطّ النُصّ اللّي ما تكيفوش في جيبو، خبّى الموس. دخل لِـ الأمم المتحدة، شعّلها الدنيا، ضدّ الإستعمار و الإمبرياليه.
يعجبك ڤيفارا؟ معلّق پوستار في خزانتك؟ تلبس بيريّة كيفو؟ في بالك بيه مريض بِـ رواريه، عندو الربو؟ في مرضتو، الكتاب جليسو. حتّى كِـ مات، لقاو في ساكو كتاب "الثورة الدائمة" متاع عمّك تروتسكي. الـ تشي قرى نيرودا و حفظ شعر لوركا و أنطونيو ماتشادا في عمر لثناش عام. شاخ عَ الأدب الروسي، كيما الناس اللّي يفهموا الكل، تولستوي و جوركي و ديستويفسكي و بيترو كروبوتكين. كلى كتب أوراسيو كيروڤا و أناطول فرانس و خوزي مارتي و غاندي و ماركس و إنجلز و جون شتاينبك و سارتر. تسمع باهم؟
ڤيفارا كان طبيب، خساره استشهد قبل ما يكمل كتابو "وظيفة الطبيب"، يمكن كان كمّلو راو لقينا حلول نهائيه لِـ مشاكل الرعايه الصحيه و الصبيطارات و الدواء. "مات الڤدع فوق مدفعه جوّه الغابات". ترزينا فيه. قاري على روحو، حافظ دروسو، بِـ ڤلبو، كرتوشو في جيبو، قلمو في جيبو، ملّخر بِـ كرارزو. عندك كرارز؟
حكى عَ الفقر، حارب الفقر، خاطر شاف الفقر. ثنى الركبة و هبط لِـ بوليفيا و الپيرو والأكوادور و پنما و كوستاريكا و نيكاراغوا و هندوراس و السلفادور و غواتيمالا. الأرجنتين دارها زنڤه زنڤه. طوالت ساقيه و وصل حتاكشي لِـ إفريقيا و آسيا. مزيان التاتّو اللّي في كتفك، نجمه حمره و كلام بِـ السبنيور، يا زبّور، تعرف ويني زمّور؟
"سلميّة، سلميّة". السلميّة أمّ أمّك سي المخصي. "سلميّة" و هاز تصويرة الـ تشي؟ تحكي بجدياتك؟ ما فيبالكش اللّي الراجل هزّ السلاح؟ راهو حارب في بلاد غير بلادو، ما أمّنش بِـ الحدود. فين الفقر و الظلم فين هو. الطبيب، المثقف، الكاتب، المفكر، الإنسان، المناضل، الأممي، كلّها كلمات تتعجن و تتحط في كلمه وحده، مقاوم. المقاومة المسلحة، الكفاح المسلح، الثورة. تي كِـ جاو يقتلوا فيه، إتفجعوا، الوجه وجه عبد و البدن بدن نمر، ضربوه في ظهرو. "ڤيفارا مات". اسم اللّـه، عليك طاحلك السكّر؟ ما تخافش، غير حضّر روحك بركه، كيما قال "لوخر"، جاينها جاينها.


 نوّارة شمس
نشر بجريدة ضد السلطة






samedi 14 septembre 2013

المقبرة - نص بمناسبة العودة المدرسيّة -

•اليوم يعود الجميع إلى صفوف المدارس. أسألكم في خجل، لأنني أحدكم، ما الذي تعلمتموه في تلك الغرف المغلقة؟ القليل من تقنيّات التعامل مع الكلمات
 و الأرقام ، بعض العلوم البدائيّة، مبادأ الاخلاق الاجتماعيّة. جعلوا مني و منكم علبا سوداء محشوّة بالترّهات. قد يعتبرني بعضكم جاهلا يمقت العلم، بذيئا، سوقيّ التكوين و لكن ما نفع كل هذا ما لم نكتسب حب الحياة، ما لم نرسم هدفا، ما لم نخرج إلى النور الإنسان المدفون داخلنا. هذه الجدران التي نسمّيها المدارس ليست سوى مقابر للإنسان، كما كانت المعابد مقابر الآلهة، ندفن فيها جوهرنا و نطفئ شعلة الجنون اليانعة داخلنا و نتفرّغ بعد ذلك لتدمير الأرض و الإستمناء على وجوه بعضنا البعض.
أريد أن أعلمكم دون حزن، نحن ننقرض. غدا سأعود مثلكم، سأرتدي قميصا محترما تماشيا مع الموضة و أسرّح شعري احتراما للذوق العام. سأتظاهر بأنني أنا و أنني موجود هنا رغم يقين بأنه لا شيء يشبهني و كما يقول درويش لا شيء يعجبني، لا هذا الكلام كلامي و لا هذا الوجه وجهي، كلّنا نرتدي نفس القناع و نتظاهر بالفرديّة المطلقة. لا تسألوني كثيرا، حينما تشاهدون هذا المبغى الكبير، الذي يسمّونه الجامعة ستفهمون كيف تحوّل شعب عمره ثلاثة آلاف سنة و أكثر الى قطيع من الغنم. ستعرفون كيف يعاد انتاج الصنم. تبدأ القصّة حين نولد في الفقر ، تحته بقليل أو فوقه بقليل ، ليس هنالك فرق كبير، نعيش السلام الى حدود اليوم الذي نربط فيه أول حرفين لتكوين كلمة و مع أول سؤال تنطلق المعركة، يبدؤون في حصارك و لحمايتك من الخطيئة يرتكبون أكبر الخطايا، يعدمون عقلك تدريجيا كي لا تسقط في الهرطقات، يكبتون روحك كي لا تنجرّ وراء الموبقات
 و الشهوات. يلقنونك عرف القطيع. إيّاك أن تكون مختلفا بينهم، إيّاك أن ترى أشياء لا يرونها، إيّاك أن تبحث عن شيء فهم سيعلمونك كل شيء. تقنيّوا المعرفة هؤلاء، سماسرة الثقافة، أسايد الحكمة في هذا العالم المبتذل، إختصاصيوّ التعذيب الناعم و القمع المقنّع برداء الفضيلة. سيصعّدون كل عقدهم على جلدك، سيدبغون شخصيّتك الفتيّة ببولهم الحامض و دمهم الفاسد. سيلقنونك درسا في القناعة، جاهر بما تريد لكن في الجوهر كن محافظا أو لا تكون، التغيير بداية الخراب و عين الجنون لهذا عليك أن تكتفي بما يسردونه في الكتب المدرسيّة، سيقرؤون لك التاريخ بالمقلوب، سيقولون أن شكري كان كافرا لذلك لا ينعت بالشهيد و أن جيفارى كان إرهابيا
 و مارقا يريد تحرير العبيد. سيعلمونك كيف تكره النوّاب لأنه كان بذيئا و فوضويا و كيف تمقت غسّان لأنّه كان شيوعيا. يختنق الدماغ و تدخل دوّامة الغباء، لن تستطيع فهم شعر الماغوط رغم بساطته، لن تفتح شفرات الغموض في شعر درويش، مع ذلك ستحفض بعض الأسطر للمباهات. لن تجد الحب و لن تعرف الرّب يوما، مع ذلك ستتزوّج و تنجب أطفالا و تواضب على آداء الصّلاة و فرائض العبادة.
 ستندم يوما ما و ستحقد حين يمر أما عينيك صدفة، في لحظة رعب أبديّة، شريط حياتك التعيسة. تدرك أنك عرفت كل شيء عن الحياة إلا كيف تعيشها. تدرك أنك مجرّد رقم في حساب بنكي كبير. لن تستطيع أن تلوم أحدا لأنك مذنب مثلهم و لأنهم مثلك ضحية هذا المجتمع ، ضحيّة هذا الجبن المتوارث و هذا الضعف الأزلي أمام الحقيقة ، أمام الحياة ، أمام الله و الأرض. ستدرك بعد فوات الأوان أنك صرت مومياء مشوّهة، كائن خانع و طيب ترتدي أجنحة الملاك و تسير على خطى الشيطان.
       
صفوان الطرابلسي