vendredi 9 novembre 2012

الزّوّالي ضد الزّوّالي

كانت الساعة حوالي الخامسة و النصف ، حين أغلقت المكتب و خرجت من العمل و أنا أفكر في حمّام ساخن و عشاء عائلي لذيذ ينسيني تعب يوم من العمل في سلك الإدارة المضجر ، يوم من الصّراع ضد الرّتابة و ضد التعفن خلف مكاتب نخرها السوس حتّى النخاع . خرجت إلى الشّارع و أنا أمنّي نفسي بهذه الخيالات التي يعتبرها البعض بسيطة و ساذجة لكنّها تلخّص متعة الحياة بالنسبة لموظّف من الدرجة الخامسة يحاول أن يكون شريفا قدر المستطاع  و قد قارب الأربعين دون أن ينجح في إتمام  أي مشروع حياتي و لا حتّى تكوين أسرة تقليدية كباقي الخلق . لكن ما إن وطأت قدمي الرّصيف حتّى بدأت ألحظ حالة غير اعتيادية ، حالة احتقان مستتر ينبئ بانفجار قريب و مهيب .
 في البداية لم أفهم السبب لكن ما إن وصلت إلى محطّة الحافلات حتّى تجلّى الأمر أمام عينيّ واضحا وضوح الشمس . كانت الحافلات واقفة على رصيف المحطّة الواحدة تلو الأخرى ، كموكب مأتمي ، صامتة و كأنها تتلقّى التعازي بينما  كان النّاس يتجمهرون حولها من الأمام و من الوراء  يضربون على أبوابها  و هم يصرخون ، يزبدون و يشتومون أما عمّال النقل فقد تحصّنوا  في ركن مقابل محاولين تجنب المحتجّين قدر المستطاع  في حين  كان أحدهم يحاول أن يفتح قناة للحوار مع الجمهور الغاضب لتهدئتهم ، لكن كلّما اقترب من هدفه قليلا  و أخذ اللغط بالانخفاض يبرز سائق شاب و يردّ الشتائم الجمهور بأقذع منها لتعود المفاوضات إلى بدايتها  . المهم أن الجو كان محتقنا إلى أبعد الحدود و ينبئ بالتطور في أي لحظة و مع أي كلمة خصوصا مع الغياب التام للأمن ، لذلك قررت الابتعاد بأسرع ما أمكن ، و لكن قبل الرحيل استفسرت أحد العمّل عن سبب هذه الفوضى فأخبرني أنهم دخلوا في إضراب مفتوح لأن أحد القضاة تسبب في توقيف زميل لهم دون وجه حق و بطريقة تعسّفّية إثر حادث مرور بسيط كان في الإمكان أن يمر بمجرّد عمليّة الملاحظة إثر الحادث . لم أجادل كثيرا ، الوقت كان متأخرا و من الصعب العثور على وسيلة نقل أخرى كما أنيّ كنت منهكا إثر يوم عمل مقلق لذلك اتصلت بأحد أصدقائي ، كان يقطن في حي شعبي في احد ضواحي العاصمة القريبة و انطلقت في طريقي مشيا على الأقدام . وصلت إلى المنزل متعبا و مستنزف الأعصاب و لكن في النهاية كان حالي افضل من غيري،  على الأقل ضفرت بمكان للنوم رغم أنّي كنت مشتاقا لذلك الحمّام السّاخن و العشاء على الطاولة المستديرة للعائلة على نغمات تشكّيات الوالدة من غلاء المعيشة  و التحليلات السياسيّة الفذة للوالد الذي لا يزال إلى اليوم مقتنعا أن الحكومة تخاف الله و أنها تعمل على إنقاذ البلاد بينما يحاول ملحدوا اليسار تعطيلها بأي طريقة حتّى و لو كان ذلك بحرق البلاد و العباد .
المهم أغمضت عيني تلك اليلة على شريط الأخبار و تداعيات إضراب عمّال النقل  و فتحتها على نفس العناوين يصدّرها اضراب عمّال النقل ، شربت قهوتي بسرعة و نزلت و أنا أحس ببعض الانتعاش ، لذلك قررت أن أذهب للعمل سيرا على الأقدام خوفا من أن يصادفني سائق سيّارة أجرة ركيك يعكّر مزاجي و يفسد بثرثرته صفاء ذهني . وصلت إلى العمل في الوقت المحدد ، فتحت المكتب ، قرأت الجريدة ، كتبت بعض التقارير ، كان صباحا روتينيا إلى أقصى ما تحمل هذه الكلمة من معنى . و قبيل منتصف النهار ، خرجت للغداء و اتجهت إلى المطعم المعتاد في نهج الدبّاغين لكن ما إن اقتربت من المكان حتّى اعترضتني جمهرة من النّاس يحملون اللّافتات و يهتفون بحل الإتحاد و يقذفون المقر بكل ما تقع عليه أيديهم بينما كانت دوريّة من بعض رجال الأمن تحاول تطويقهم و إبعادهم . اقتربت أكثر، كان بي فضول لأعرف ما يحدث رغم أنني كنت متأكدا أنهم كانوا غاضبين إثر إضراب قطاع النقل ، وجوههم لم تكن غريبة ، كانت مألوفة لي لا أعرف أين شاهدتهم من قبل ، المهم أنني تعرفت على اثنين منهم ، كانا يسكنان في حيّنا و لا أعرف ما الذي أتى بهما في هذا اليوم القائض كي يهتفوا بشعارات أقسم أنهم لا يفقهون لها معنى و أضحكني حقا أن بعضهم كانوا يحملون لافتات يسبون فيها بعض السياسيّين المعروفين و لم أفهم ما دخل الإتحاد في الموضوع ، المهم عجّة بأتم معنى الكلمة و جوقة من النشاز كل فيها يغنّي على ليلاه .
لكن في هذا الخضم شيء واحد كان يثير اشمئزازي و حيرتي ، كيف يقف الزّوالي في وجه الزوالي ، و هذا لم يحصل ذلك اليوم فقط ، حصل في عديد المرّات و قد كنت شاهد عيان إمّا بمحض الصدفة أو خلال نزولي في بعض الإضرابات القطاعية بإدارتنا ، نشتم بعضنا ، نضرب بعضنا البعض و في بعض الأحيان نقتل بعضنا البعض ، من أجل ماذا ؟؟؟
لا شيء ، من أجل لا شيء تهتك الأعراض و تسفك الدماء ، نلقي اللوم على الضعيف لأنه لا حول له و لا قوّة ، بينما الملام الوحيد هي السلطة ، هذه السلطة التي سلبتنا إنسانيّتنا و جعلتنا نهضم حقوقنا بأيدينا . فكما نهاجم اليوم المضربين لأنهم رفضوا الظلم و تحرّكوا من أجل حقوقهم في لقمة عيش كريمة سيكون هناك من يهاجمنا حين نفكر نحن أيضا في التحرّك ، و تندلع الحرب بيننا بينما قضيّتنا واحدة ، حرب ليس لنا فيها لا ناقة و لا جمل و نحن في النهاية من ندفع الضريبة من دمائنا و قوتنا اليومي  بينما تجني السلطة الغنيمة على طبق من ذهب و لا يبقى لنا سوى الكرب . لا أعرف متي سنفتح أعيننا على الحقيقة و نكتشف أننا في مركب واحدة و أن عدوّنا واحد و هو من يهمش صراعنا من خلف الستار ؟؟
 كان هذا أخر سؤال سألته لنفسي في صمت ، في النهاية تعكّر مزاجي الذي حاولت أن أحافظ على صفائه طيلة  هذا الصباح ، لذلك أزحت ناضريّ عن كل هذا الهراء و اتجهت الى المطعم القريب لأستمتع بالغداء و من حسن الحظ أن صاحب المطعم كان خفيف الرّوح و أتحفني ببعض النكت و بصحن " الكفتاجي العريق " لحقته  قارورة كوكا باردة من العيار الثقيل . و لم تمر بضع دقائق حتّى أعطى الغداء مفعوله المخدّر ،  هاجمني  ثقل غريب  و رغبة في النوم فاندفعت إلى المكتب مسرعا ، ألقيت كل هواجسي إلى الجحيم و استلقيت على الطّاولة و حلمت بالحمّام السّاخن و حصّة تدليك من أياد ناعمة .    


صفوان الطرابلسي 
نشر في ضد السلطة 
2012/11/08

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire