" حمّودة ، يا حمّودة ، يــــــــــــا حمّـــــودة..."
أففففف ، يبدو أن الجميع غادر البيت ، كيف سأنزل قنّينة الدواء الآن ، يال هذه التعاسة ،" زايد الي يعمل على حامد يبات بلا عشاء"
" أففففف، ماذا سأفعل الآن ، الألم يشتد ، أشعر بالغثيان و الدّواء على ذلك الرفّ الملعون ، اللعنة عليك يا حامد ، اللعععع...
ولكن الذنب ليس ذنب حامد . اللعنة على الرصاصة ، و الذنب الأصليّ ذنبي أنا ، أنا من خرجت يومها وراء حلم الحرّية ، الجميع حاول منعي و لكن ما كانوا قادرين على ايقاف الجموح الذي انتابني ، كنت أرى الأماني تتحقق ، قرأت كثيرا على الثورات و الثوّار ، تحدثت كثيرا على الثورات و أخلاق الثوريين و مآثرهم حتّى ظن ّ رفاقي أنني مجنون ، أتحدّى المستحيل و أن نهايتي إمّا النفي أو في حضيض السجون . من كان ينتظر نزول الصّاعقة غيري ؟؟؟
لا أحد و قد هيأت نفسي لذالك اليوم. كانت الثورة حلمي ، قرأتها من ثورة سبارتاكوس حتى الثورة الايرانيّة . كيف لهم أن يمنعوني من الخروج يومها ، كيف لهم أن يمنعوا شابا أرهقه القهر و أسهدته أفكار الثوريين و اخبارهم على مدى التاريخ. .لكني لم اكن أعرف أن الكتب لا تذكر سوى الجانب المشرق ، لقد بشّرتني بالنصر لأن عزيمة الثوار لا تقهر ، لكنها لم تخبرني يوما عن رصاص الغدر أو عن السطو الناعم على الأحلام ، أو ربّما من فرط حماسي أهملت تلك ألسطور و ها أنا اليوم أجلس على هذا الكرسي شبه المتحرّك عاجزا عن نصرة حلمي و انا أراه يسرق "
لكنّ صوتا في داخله قاطعه مستهزئا :" و لكن عن أي حلم تتحدّث ، أي قضية تريد أن تنصرها ، فلتنصر نفسك أوّلا ، ألا تشاهد عجزك ، إفتح عينيك التي أغمضتها المبادئ ، حلمك مشلول مثل رجليك تماما ، واصل تناول دواءك ألمخدر هو أفضل الحلول ، لكن إن وجدت من ينزله لك من الرّف أوّلا أو من يهبك ثمنه لتقتنيه أصلا . فات الاوان الآن ، أنت تعلم جيدا أن الاوان قد فات ، لو أجريت العملية قبل شهرين ، كان الأمل موجودا، أما الان فقد فات الأوان ، دع عنك المكابرة فالطريق وصلت إلى نهايتها ، ثورتك ضاعت و ضيّعتك ، دع عنك أحلام الثوار و الرمنسية الزائفة ، عد إلى الواقع ضع رجليك على الأرض طبعا إن كنت تملك رجلين أصلا ، كن واقعيا و لا تطلب المستحيل ، غدا ستصلك بطاقة معاق ، و بطاقة بيضاء للعلاج توفر لك بعض اقراص الصّداع أمّا لقمة العيش فلا تقلق سيوفرون لك رصيفا للتسول "
نظر الى نفسه في المرآة ، كان يشعر و كأنه شخص آخر بعينيه الشاحبتين و ملامح الألم الصّارخ في مقلتيه ، نعم انه شخص غريب ، نظراته غريبة ، فيها عتاب ، فيها حيرة و ريبة ، كعيني سيزيف يشوبها الابهام و هو يغوص في العدميّة المطلقة و يحمل طوال عمره الصّخرة و يظنّه عقاب الآلهة ، ليكتشف في النهاية أنّها مجرّد خدعة أو قصّة للعبرة أو مسرحيّة دراميّة لتطهير الجماهير .
أشاح بوجه ، حبس دمعة في مقلتيه ، توجّه الى زجاجة الدواء ، رفع يده ، تشبث بالطاولة بجانبه ، احس بكرسيه يتأرجح ، كاد يصل ، حول اطالة أصابعه ، كاد يصل ، بضع سنتمترات ، عادت اليه روح التحدّي ، ذلك الشعور الذي انتابه و هو يركل قنابل الغاز و هو يهتف ببطحاء محمد علي و هو يحمل صديقه جمال الذي استشهد بطلقة غادرة ، بضع ملليمترات و يصل ، يجب أن ينتصر ، قفزة صغيرة و ينتصر ، جمّع كل قوّته ورفع جذعه في الهواء ، لكن حتّى كرسيّه المتحرّك لم يرحمه ، انسحب من تحته ، حاول التشبث بالرف و لكن هذا الاخير تراخى بين يديه فانزلق ووقع ككومة تبن على البلاط ، كان الارتطام عنيفا و الأرض قاسية أمّا الألم فقد شق شرايينه حتّى كاد يفتك بقلبه .
مرة أخرى و جد نفسه وحيدا ملقى على أرض الغرفة ، زجاجة الدواء انكسرت ، و انكسر معها ما تبقّى من قلبه المحطم.
حين أصابته الرصاصة حمله الرفاق على أذرعهم ، كان الألم شديدا لكنه كان سعيدا ، كان يشعر بالألفة و الأمان ، اليوم يقع من على كرسي ، و لا يستطيع الوقوف ، لم يبقى أحد من الرفاق كي يمد له يده و لم يعد له أمل في الوقوف من جديد ، العملية ضاعت ، و حتى قارورة الدواء المسكن انكسرت .
سأل نفسه : " و ما الداعي الى تسكين الآلام دع الجرح يندمل حتى تفوح رائحته ، دع الصراخ يصدح علّهم يدركون أن قواعد كراسيهم الفخمة تنغرز داخل الجرح يوما بعد يوم . قتلة الأمل هؤلاء ، تنتفخ أرصدتهم كلما ذبلت أحلامك و يسبحون في دمائك متلذذين و حين تحين الصلاة يلاقون الله في خشوع ، يبكون على حالك ، و يتصدّقون من مالك يركبون فوق ظهرك و يسرقون حسناتك ."
حاول ان يقف ، عل معجزة تحدث لكن عصر المعجزات قد ولّى ، زحف نحو كرسيه ، اعترضه كتاب قديم بلله الدواء المنسكب على الأرضية ، نظر الى الصفحة ، كانت قصيدة لمحمود درويش طالما ردّدها و هو يقهقه بعد تجارب الحب العابرة :
"تنسى كأنك لم تكن
تنسى كمصرع طائر
ككنيسة مهجورة تنسى
كحب عابر وكوردة
في الليل تُنسى"
تنسى كمصرع طائر
ككنيسة مهجورة تنسى
كحب عابر وكوردة
في الليل تُنسى"
أنشدها بمرارة . هذه المرة لن يحبس دمعه كما تعوّد أن بفعل في الشدائد ، هذه المرّة سيكون واقعيا ، و لن يطلب المستحيل ، سيكون انسانا عاديا و لن يطالب بحقه ، نعم سينحني ليصعد الأسياد الجدد الى كراسيهم و يمددوا أرجلهم على جرحه ثم يسألونه بكل وقاحة ما مصدر رائحة العفونة ، هذه المرة لن يحبس الدمعه و لن يكبت صوته و لن يقتل شوقه ، سيبكي و يصرخ و يبصق في وجه كل من يتاجر بمأساته ، سيرفع في وجههم رجله المقطوعة لتبقى عاهته تقبّح وجوههم إلى يوم الدّين ، و
ستشهد يم الحساب على الظّالمين ...
ضد السلطة 2012/11/03
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire