هل في إمكان أحدكم أن يخبرني ما الذي تغير في
هذا الوطن ، و لن أتحدث هنا على الصعيدين الإجتماعي و السياسي لأن الحديث سيطول
كثيرا ، في هذين المجالين بالذات حققنا تراجعا و لم نتمكّن حتى من المحافظة على
الحد الأدنى من الكرامة و الأخلاقيّات . ما أريد التطرّق إليه اليوم يتعلّق بحرّية
التعبير ، المكسب الوحيد الذي كنّا نظن
أننا نجحنا في تحقيقه ، و لكننا حقا واهمون ، لأن ما حققناه بعد الثورة لا يتعدّى
كوننا فتحنا المجال الإعلامي الذي كان في السابق حكرا على جهات معينة و هذا لا
يعني أننا حررنا الإعلام بدليل ما حصل في عديد المؤسسات منها در الصباح و جريدة
التونسية و غيرها . و رغم كل هذه المنغّصات ربما نكون قد حققنا و لو جزءا يسيرا من
طموحنا و هنا يكمن الفخ لأنهم يهمشون طاقتنا في مثل هذه الصراعات و يتوجهون هم
للغنيمة الأكبر ألى و هي التعبير . التعبير أهم من الحرية و أهم من الإعلام ، التعبير هو انعكاس
للإنسان و انعكاس للحرّية و فتح الأفاق أمام الإعلام و العمل الصحفي لا يعني أننا
صرنا قادرين على التعبير دون مضايقات و التطرق غلى كل المواضيع و بمختلف الأساليب . هنا نكتشف أننا لم نتقدم قيد أنملة و الأدلة
كثيرة ، نبدؤها بأيوب المسعودي و قضيت النيل من هيبة المؤسسة العسكريّة و تختمها
بالقضية الأخيرة التي رفعتها نقابات الأمن على توفيق بن بريك و الأمثلة بينهما
كثيرة منها قضية سامي الفهري و إستدعاء الفنانين للتحقيق إثر أحداث العبدلّية إلى
غير ذلك ...
و لكن ما يهم في هذا السياق و ما يقلق حقا
ليس هذا السعي الحثيث من السلطة من أجل كبت حرية التعبير ( أنا افض هذا التركيب
لأن من يعبر هو إنسان حر حتى ولو كان بين القضبان ) فهذا أمر طبيعي أي سلطة في
العالم مهما كانت تعتبر نفسها ديمقراطية ستبحث دائما عن طريقة لتكبيل هذه الطاقة و
احتكار هذا الحق المتأصل في الإنسان و لكن
ما يقلق هو تخاذل التونسيين و عزوفهم عن حماية حقهم في أن يكون لهم المساحة لإبداء
آرائهم و التعبير عن أنفسهم و همومهم فالقضية لا تهم فقط توفيق بن بريك أو أيوب المسعودي أو غيرهم من فنانين و صحفيين و ناشطين في
المجتمع المدني ، القضية اليوم قضيّة شعب ، فشعب لا يعبر شعب ميت ،
و الإنسان تسقط عنه صفة الإنسانيّة ما إن تخلى عن حقه في أن يعبّر و أن يكون له
موقف يوصله بؤسلوبه الخاص .بالتالي على كل إنسان أن يثشبث بهذا الحق
لأنه سينعدم ما إن تخلى عنه و عله أن يطور أسلوبه أن يبتدع لمسته السحريّة الخاصة و للتعبير صنوف كثيرة ، الكتابة ، الموسيقى ،
السنما ، الرسم عالى الجدران ، رفع شعار في المضاهرة ، بعض الجمل الساخرة على
الفايسبوك ، طريقة لبسك ، طرقة أكلك ، أسلوبك الساخر في فالكلام و صياغة النكات ، المهم أنها كلمت حق يقولها
الإنسان في وجه السلطة التي تريد تغييبه
فلا تتركوا لهم الفرصة حتى يحتلون أدمغتكم و يعطلون قدرتكم عن الحلم و التعبير و يحولونكم شيء فشيء إلى مجرّد آلات او ربّما قطيع من الأغنام يتناوبون على قيادتها إلى الهاوية لتسقط عنكم صفة الإنسانيّة .
مع تحيّات صفوان الطرابلسي
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire