لا أذكر الشخص العظيم الذي قال ذات يوم
" الأدباء يختلقون الأكاذيب لإنارة الحقيقة أمّا السياسيّون فيكذبون لطمسها
". ليتهم يكتفون بهذا القدر من الابتذال و لكنّهم حتى و إن كشف أمرهم لا
يسلّمون و إلى القمع ينتقلون ، يطلقون كلابهم في الشوارع و يبدأ الرّصاص في عزف
سيمفونية الموت المرعبة. لكن رغم كل هذه الوحشيّة ليس هذا أسوء ما في القضيّة ،
فهناك ما هو أكثر إيلاما ، إنّه ذلك الانتهاك النّاعم ، ذلك الشّعور الرّهيب بعدم
الآمان ذلك الشعور الدّائم بأنك تحت المجهر و أنّك مراقب في كل مكان. و لأداء هذه
المهمّة لن يرسلوا لك جحافل البوليس بل سيرسلون أكثر أدواتهم قذارة و انحطاطا.
إنّهم المخبرون يا صديقي ، تلك الكائنات التي
تعشق السير في الظّلام و العمل خلف السّتار ، تلك الكائنات التي تعمل دائما في ضّل
السلطان . المخبرون يا صديقي أسفل الكائنات في هرم الابتذال ، هم لا يملكون دهاء
السّياسيّين حتّى يساعدهم على احتراف الكذب و ليس لديهم الشجاعة لتصويب فوّهة
مسدّسهم إلى رأسك كما يفعل البوليس ، هم يكتفون دائما بقراءة نصف الآية و إنارة
نصف الحقيقة ، و أنصاف الحقائق كما تعرف أخطر من الكذب أنصاف الحقائق فتن و الفتنة
أشدّ من القتل.
لذلك يا صديقي كن حذرا قدر المستطاع ، فكّر
جيّدا قبل كل حركة ، حاول أن تضع شفرة لكلماتك حتّى يفهمك الأصدقاء و يتوه عن
معانيك الأعداء أو من المستحسن توقّف عن الكلام أصلا ، لأنك ستجدهم يرصدونك في كل
زمان و مكان. ستراهم في المدرسة و الجامعة ، في المترو و الحافلة ، في المبغى ، في
الحانة ، في العمل و حتّى في لقاءات الحب العابرة سترى عيونهم عليك ساهرة و لن تجد
عناء في اكتشافهم ، ستراهم في المقهى يجلسون في أكثر الزّوايا انعزالا و في
الشوارع الموحلة آخر المساء سيمرّون إلى جانبك و يبادلونك التحيّة في جفاء . حتّى
حين تدخل البيت إيّاك أن تشعر بالأمان و تذكّر أنهم في كل مكان ، خلف الستار ، خلف
سمّاعة الهاتف و تحت صنبور المياه ، داخل علبة الرّسائل ، في حقبة أوراقك و في
صندوق سيّارتك و حتّى في غرفة نومك حين تمارس الحب مع عشيقتك أو زوجتك تذكر أنهم
تحت سريرك ينصتون لتأوهاتها و حشرجاتك ، لذلك إيّاك أن تشعر يوما بالأمان فخلف كل
باب من أبوابك يوجد مخبر و آلة تنصّت.
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire