lundi 24 décembre 2012

الشاعر و الشيخ المنتفخ





لم يكن من طباع أبي الانفعال المفاجئ ، و لكنه لم يستطع أن يتمالك نفسه حين سمع الخبر ، رمى الحاسوب بشكل مفاجئ على الأريكة و سحب سيجارة من علبتي التي كانت في معطفي المسدل إلى جانبه . جميع من في الغرفة استغرب ذلك ، إذ كان قد هجر التدخين منذ زمن ، جذب الدخان بعنف و زفر زفرة طويلة و قاسية ، نظر إليّ نظرة  حرّكت داخلي الشك ، ثم أشاح  بوجهه ليداري دمعة قبل نزولها .

حملت الحاسوب ، قرأت الخبر باحتراز ، " الحكم على الشاعر القطري محمد العجمي بالسجن المؤبد ..." ، قد لا يعني هذا للكثيرين شيئا و لكنه لوالدي قد يعني توقف الزمن . كنت أعرف حبه للشعر و حلم شبابه بأن يكون شاعرا . كان يعتبر أن الشعر صرخة الروح لتفجير الألم المكبوت داخلها ، كان الشاعر في قاموسه  ضمير الأمة حين تموت داخلنا الضّمائر.
نظر إليّ بحزن بالغ لم أره في عينيه منذ زمن ، منذ إعدام صدّام يوم عيد الاضحى على ما أذكر ، ربّت على كتفي ثم خرجت الكلمات ثقيلة من فمه : " لا ترخي العنان لقلمك ، ها قد بدؤوا باصطياد ضمائرنا ، و شعب بدون شعر شعب مهزوم كما تعلم ، هذه الأرض يا بني أرض الشعراء ، لقحت بالكلمات منذ الأزل ، هذه الأرض بكاها درويش علنا ذات مساء  و تساءل كيف يشفى من حبها ، هذه الأرض أتاها نزار عاشقا من دمشق و تعلّم بين يديها أصول العشق  ، هذه الأرض سيعيش لأجلها محمد ما تبقى من سنينه في سرداب ، ويذوق صنوف العذاب . و ان حبسوا ابن الذئب ، فالذئب نفس لا يزال خارج القضبان   و سنتحوّل جميعا  إلى  ذئاب ، ننهش من  لحم مغتصبه و مغتصبنا ، نشرب من دمه و نغسّله به ، عار علينا إن لم ننتقم و تركنا ثأرنا يضيع كالسراب  . علينا أن نذكر دائما أن هذا النبي  رفع قهره  قائلا "كلنا تونس"  فهل تعي يا بني ماذا تعني هذه الكلمات ، لقد تبرّأ من ملوك الجهل هؤلاء و نسب نفسه إلينا طامعا في نور ثورتنا  فحاذر أن يخيب أمل الشعراء إذ تصيبنا بعد الخيبة لعنتهم  و تذكّر أن شعبا دون شعر شعب مهزوم ."
ألقى عليّ تلك الكلمات بتأثير مسرحي كان يرتجله في تلك الحالات الصعبة ، أنا أيضا اختطفت دمعة قبل نزولها ، تذكرت صورة لشاب إسباني أو يوناني ، كان يرفع علم تونس أمام البرلمان وسط حشود غاضبة تهتف من أجل التحرر و من الحق في حياة سعيدة ، ثم كيف انطلق البوليس في تفريق المظاهرة بوحشية مرعبة . كان المصور قد التقط عدت صور للشاب و هو تحت أقدام البوليس ، يرفسونه و يضربونه لكنه رغم ذلك بقي متشبثا بالعلم كمن يتشبث بآخر رمق في الحياة .
كل هذا جعلني أشعر بالخجل و بالتقصير ، الكثيرون استلهموا و لازالوا يستلهمون من ثورتنا زادهم للنضال ، بينما نحن نقف قوّادين أما غرفتها ، نستقبل كل زناة الليل و نتاجر بشرفها علنا ، لا نقدر حجم المسؤولية التي على أكتافنا ، لا نقدر حجم الأمل الذي بعثناه للعالم حين كسرنا النبوءة التي جزمت بأن الثورة الإيرانية هي آخر الثورات و توجنا هذا القرن بثورة وقف لجلالها  كل أحرار العالم . لذلك حين تنتمي لهذه الأرض التي لقحها الشعر ، تذكر أن كل قضايا المظلومين في العالم قضيّتك ، تذكر أنك لا تحيا لنفسك فخلفك أحلام آلف البشر ، تذكر أنك حين تحرر نفسك تحرر من خلالك العالم بأسره و أنه ليس لك الحق أن تتوقف في منتصف الطريق. 


صفوان الطرابلسي
ضد السلطة 22/12/2012



Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire