كيما مظفّر يقوم كل يوم مفجوع من
عز النوم على صوت الكرتوش و ريحت الدم ، يعيط و يصيح منغير صوت ، يخرج أنين الروح
موّال عربي مكبوت على مقام عراقي حزين " ابكيك بلاد الذبح. كحانوت تعرض فيه
ثياب الموتى."
الرصاصة و صوت الرّافال ، الشلاغم و الرجوليّة ، اللون الأحمر و بوسة الخالة
توحدت معانيها في مخيلتو و تربطت في ذاكرتو بسنين حكم النهضة و ترويكتها. السنين
الي تعودنا فاها قصّان الماء و الضوء ، السنين الي رجعت فيها الكوليرا و الملاريا
و الجرب و الكرب و الذبح الشرعي للبشر كالبقر على منهج السلف الصّالح.
الأحداث تتسارع بيه و هو كيما هو
من أول الثورة، يخرج الصباح يمشي لبيروه و يبدا يسقصي في الأخبار بالتاليفون و
الجارايد و التلفزة و الفايسبوك ، يقص و يلصّق ، يحرر و يكرر و في اوقات الفراغ
يبدى يحسب : قدّاش من اضراب ، فدّاش من اعتصام ، قدّاش من وقفة احتجاجية فضّوها
بهمجيّة ، قدّاش من اغتيال مباش و غير مباشر ، قدّاش من شهيد حقو ضاع و تنسى ،
قدّاش من جريح انتحر أو حاول الانتحار ، قدّاش من واحد تغنى بصفقة في
"النوار"، قدّاش من أزمة سياسية ، قدّاش من شخص دخلو و خرجو في اعتصام
بارد و القصبة ، قدّاش من خيمة ، شكون الي خلص على كل ليلة و شكون الي رقد على
السطاك لين جنابو تهرات و ما جاتوش شربة ماء ، شكون إلي يرفع الشعارات و شكون الي
يرسم و يخطط و شكون إلي يمول و شكون إلي يأمر و ينهي و على السلطة معوّل .
يكتب هوامش في كنّش صغير على جنب ، هكّا تعلم إذا كان
تحب تقرى التاريخ الصحيح تبع الهوامش الجانبية و ريحة الدم ، المهم أنو الشيء الي
يكتبو كل نهار عمرو ما استعملو ، يقارن بين السطور القصيرة على الورقة المنسيّة و
العناوين الكبيرة في "ماكيت" الجريدة ، شيء ما يشبه لشيء وقتها يمارس
هوايتو الثانية و على كنش آخر يبدى يستنبط تعاريف جديدة للمفاهيم و الكلمات
القديمة ، اليوم ركبتلو على "السياسة و الصراحة" .
السياسية ببساطة "هي فن تنغيص حياة الشعوب" و
الصراحة في عرف السياسييين هي "حقيقة متلحفة بسفساري الباطل" ، حمرة
كحلة ، يعني نصف حقيقة و معروف أنو أنصاف الحقائق أنذل من الكذبة لكن تجيب أكثر
فلوس في سوق السمسارة. و على هذا كان يكتفي بالكنش الصغير و منغير نزويق
لغوي يكتب " عدنا ثلاث سنين نجترو في الكذب ، العركة الصحيحة عركت سلطة
بين الدساترة و الخوانجية ، لولانين قوتهم في تفككهم ، استغلوه استراتيجيا ،
مقسمين على ثلاث أجزاء و تزرعو كالسرطان في الحيات السياسية الجديدة ، جزء في
النهضة يركح الإسلاميين ، جزء في النداء مركح اليسار اللبرالي و جزء قعد وفي
لجذورو. الدساترة عارفين مليح أنو الجميع في حاجة ليهم لأن مكينة الدولة
تصنعت على إيديهم و حتى حد من الأطراف السياسية ما في مصلحتو يبدل قلب السيستام .
أما الثانين ، فقوتهم في توحد صفهم ، إلتزامهم العقائدي القوي ، تغلغل جناحهم
العسكري في الدولة و ولاءهم الأعمي لآية الله لكن مهما صار الطرفين باش يخرجو
رابحين لأنهم في الحقيقة يمثلو توجه واحد . الخاسر طبعا هي الجبهة الشعبية نظرا
لضعف شبكات علاقاتها الداخلية و الخارجية الشيء الي ما يمكنهاش أنها تلقط اللحظة و
تلعب على موازين القوى . أما الضحية ،فهم الشباب الثوري و الشعب التونسي ،
أولاد الجهات البطالة و المحرومين ، الناس الي ما نابها مالثورة كان الكرتوش و الميزيريا ."
لخّص أفكارو باقتضاب بالكشي يجي
نهار و الحقيقة يولي عندها قيمة و معنى ، يستهلك الوقت لين تجي ساعة المرواح ، يلم
روحو المبعثرة فوق الطاولة بين الأوراق و ضباب الدّخا و يخرج ، يتعدى للقهوة ولا
البار ، يزيد يجتر أفكارو المتعفنة مع أصحاب الليل و يروح للدار شطر سكران ، يتعشى
منغير شاهية ، يرقد مع مرتو منغير شاهية و الصباح يهبط للبيرو يجري كالعادة باش
يكتب هوامش جديدة و يفرغ خنّار جديد...
صفوان الطرابلسي
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire