الوردانين ،
ليلة 15 جانفي 2011 ، سرت الإشاعات عن محاولة تهريب قيس بن علي . لجان الأحياء
منتشرة على الأرض ، من مجموعة إلي أخرى تناقل الشباب الخبر ، استعدّوا للمواجهة و القبض على المجرم الهارب. سرب من السيّارات رفض الوقوف للجنة التفتيش ، طاردوهم ، حاصروهم
، أطبقوا عليها الخناق فانطلق الرّصاص يمزّق الحصار و يترك في أجساد الرّجال و قلوبهم جروحا لن تندمل مهمى طال الزمن. أربعة شهداء و عدد من الجرحى، منهم مسلم قصد
الله، نزيل مستشفى الرّازي اليوم . رصاص و دم و غبار هذا ما يذكر من تلك الليلة ،
سقط الشهداء و بقي هو شاهدا على المأساة. ملف القضيّة أقفل ، ضاع الحق و ضاع معه الأمل في ثورة تنصف الأبطال ، تخلّد أسماءهم و تسرد التاريخ بأمانة. بعد أكثر من سنتين من المعانات الجسدية في صراع مرير مع الدّوائر الصّحية، تمكّن مسلم من الإنتصار على سياسة الإهمال الممنهج و الهرسلة التي تعرّض لها و رفاقه في قطر. عاد إلى الوطن ، صمد و ضفر في
النهاية بسفرة إلى فرنسا حيث قام بتركيب ساق اسطناعيّة. ظن أن المعنات ستتوقف هنا ، لكن الإهمال جعله يعود إلى غرفة العمليّات من جديد ، هذه المرّة تجاوزة الندوب و الآلام خلايا الجسد المنهك. لقد تعب القلب يا
صديقي ، احترق العقل ، تعذيب غير مباشر ، اهمال متعمّد ، استفزاز مقصود. أصوات الجرحى و
عائلات الشهداء دعاية سديدة للإنتخابات ، لذلك وجب ترغيبهم و ترهيبهم ان لزم الأمر
، ان لم يكونوا معنا فهم علينا و لهذا خلقت وزارة سمير ديلو و لجنة يامينة الزغلامي.
لم تكفي كل هذه المهازل و هاهم اليوم يتّهمونه بالجنون ، لقد أنهك الجسد و وجب تدمير العقل و المهجة ، تحوّل من القصّاب إلى الرّازي و هناك ستكون التصفية النفسيّة. رويدا رويدا يسير الفتى نحو الهلاك ، محاولة إنتحار
ثانية ، شفرة حادة تخترق شرايين البطن و تقطع المعصمين ، رائحة الدم ، هذه المرّة لم يحمل القاتل مسدّسا ، لم يسمع صوت الرّصاص و لم يرتدي بدلة عسكريّة ، هذه المرّة كان سلاحه النسيان ، تواطؤ المجتمع ، العزلة في غرفة
باردة ، إلهاء الشعوب في مهاترات سياسيّة عقيمة و مجحفة ، الفقر ، الوحدة ، الثورة المغدورة ، الموت المتربّص في كل ركن ، تهمة الجنون المتكررة دون سبب منطقي ، حب
الوطن المرضي ، آلام الجسد و المسكنات المدمّرة.
محاولة الإنتحار الثانية تطلق جرس
الإنذار ، قد تكون ذاكرة الشعوب قصيرة المدى ، لكن ليس إلى هذا الحد ، لقد وصلنا
إلى الدرك ، مسلم قصد الله لم يسلّم رغم آلامه ، حاول الإنتحار لكنه يجتهد في كل ليلة كي
يطرد عنه فكرة الموت المؤجل ، يبحث عن قشّة للنجات . على الأقل ، لنتحلّى بقليل من الشرف و لنهبه و رفاقه بعض الأمل ، ستفي زيارة
بالغرض ، هديّة ،
قبلة ، نصف ساعة من الحديث عن ذكريات الزمن الجميل و عن الثورة و عن الأمل...
مؤثّر جدا.
RépondreSupprimerبرافو عزيزي صفوان.