lundi 27 mai 2013

الثورة العربيّة بين المد الظلامي و غياب النظريّة الثوريّة


يشهد المجتمع العربي أزمة هويّة و منهجيّة أنتجت اغترابا فكريا و حضاريا دام لقرون عديدة و يبدوا أنّه سيتواصل ليلتهم آمال الشعوب المضطهدة في الثّورات المعاصرة ، كما نلاحظ في الفترة الأخيرة تفاقم لهذا الانفصام في الشخصيّة العربيّة خصوصا مع انفتاح المشهد الإعلامي على مشايخ الوهابية و صعود الإسلام السياسي إلى سدّة الحكم في عديد الدول ذات الثقل الحضاري و الإستراتيجي كتونس و مصر و ليبيا بالإضافة إلى انعكاسات التجاذب الدولي الحاصل في ما يخص الأزمة السّوريّة .
صعود الإسلام السياسي و غزوة الفكر الوهابي
 لم يكن صعود الحركات الإسلاميّة إلى سدّة الحكم إثر الثورات العربيّة بالأمر المفاجئ ، كان من المتوقّع  تصدّرها للمشهد في الفترة الانتقالية ، و قد ساهمت عدّة عوامل منطقيّة في منحها هذه الفرصة أهمّها استبطان قياداتهم لخطاب دعائي على المقاس الدولي و هرولتهم لتقديم الضمانات و طمأنة الدول الكبرى على سير مصالحها الإستراتيجيّة داخل المنطقة بالإضافة إلى تمتعهم بالدعم الدبلوماسي و المادي المتأتّي من دول الخليج . هذا على الصّعيد الدولي أمّا على الصعيد الشعبي فقد تركت الأنظمة السّابقة جملة من العقد التي استثمرتها هذه الحركات في خضم صراعها الانتخابي و أبرزها التعاطف الشعبي الناتج عن القهر الذي تعرضت له قواعدها خلال فترة الدكتاتوريّات السّابقة و لعبها على وتر الهويّة و الدين من خلال ترويج الفكرة القائلة بأن الإسلام في خطر و أن هذه الشعوب الضالة في حاجة إلى " نبيّ جديد " يثبّت في كيانها الإيمان و يعيدها إلى رشدها بعد نشوز. من هنا فتح الباب لتسرّب الأفكار الرّجعيّة التي يهل بها سفراء الظلاميّة من شيوخ الوهابيّة ،لينتشر الفكر التكفيري المتعصّب ، القائم على نبذ العقل و هدفه ككل فكر رجعي إرهاب الشعوب و غرس عقليّة القطيع في ثقافة المجتمع  و هذا ما سكون سببا في تعميق الأزمة الفكريّة التي تعيشها الشعوب العربيّة كما تسبب و سيتسبب في خلق " ظواهر مدمّرة " ستفضي بهذه المجتمعات إلي دوّامة العنف الممنهج و تفتح الباب أمام تركيز دكتاتوريّة جديدة ذات بعد ديني ، قائمة على منهج محاكم التفتيش ، تقمع كل فكر مغاير و أي محاولة للتطوير و التجديد ، ولنا في التّاريخ شواهد عدّة ، فلا شك أننا نعلم كيف حوصر الطبري حتّى موته في محنته الشهيرة و كيف صلب الحلاّج و سجن إبن حيّان حتى وفاته أما إبن المقفّع فقد قطّعت أوصاله و أحرقت كتب إبن رشد أمام عينيه في احتفال عام و قد امتد هذا الفكر حتّى التاريخ المعاصر لنشهد اغتيال حسين مروة و فرج فودة و مصطفى العقّاد و إعدام هاشم آغاجاري بعد محاضرة أتهم فيها بإهانة النبي و أخيرا و ليس آخرا اغتيال المناضل اليساري شكري بالعيد . بالتّالي هل يعقل أن تنتج ثورة على نظام مستبد آخر أكثر استبدادا ، و من هو الملام في خضم هذا الواقع المزري ؟
لن نلوم الحركات الإسلاميّة إذ من الواضح أنّها تعتبر هذا التردّي الثقافي  جزءا من مشروعها ، لكننا نوجه الأنظار نحو النخبة و الطلائع الشعبيّة و الفكريّة و السياسيّة ، التي تخفي تحت رداء الحكمة و التوازن خوفا من المواجة الفعليّة و عجزا على بلورة بديل ثوري و المرور به من مرحلة التنظير إلي الفعل العملي .
الثورة العربيّة و غياب النظريّة الثوريّة :
الثورة هي التغيير المفاجئ السريع و العميق في الكيان الاجتماعي ، هدفه القطع مع الاحوال القائمة في المجتمع وذلك من خلال إعادة تنظيم وبناء هيكلة إجتماعيّة مبنيّة على منظومة قيميّة جديدة .  قد يختلف المفكّرون من النّاحية النظريّة في توصيف هذا المفهوم ، لنجد التعريف التقليدي الذي صيغ ابّان الثورة الفرنسيّة و المتمثل في تغيير نظام الحكم بالقوّة  إثر هبّة شعبيّة بقيادة الطلائع المثقّفة و قد طوّر الفكر الماركسي فيما بعد الفكرة من خلال تحديده للطلائع المثقّفة المتمثّلة في القيادة العمّاليّة للبروليتاريا و دورها التأطيري للفعل الثوري الجماهيري. اما التعريف المعاصر فيلخّص الثورة في التّغيير الذي يحدثه الشعب من خلال أدواته(  كالقوات المسلحة ، شخصيّات وطنيّة تاريخيّة ، نقابات ... ) لنظام الحكم العاجز عن تلبية طموحاته و المرور إلى تنفيذ برنامج من المنجزات الثورية غير الاعتيادية . و نلاحظ هنا الرابط الجدلي بين إسقاط نظام الحكم و بلورة البديل الثوري الذي يمثّل غيابه احد الأسباب الرئيسيّة في تعثّر الثورة العربيّة . غياب المشروع الثوري  زاد في ضبابيّة الهدف المنشود و أسقط عن التحرّكات الشعبيّة طابعها الممنهج مما فتح الأبواب أمام القوى الرّجعيّة المدعومة من الإمبرياليّة الأمريكية للصعود إلى سدّة الحكم ، كما فتح المجال لركائز النظام السابقة حتى تتموقع من جديد داخل المشهد السّياسي و تعيد التمترس داخل مفاصل الدولة من خلال صفقات مشبوهة غير معلنة مع الحكّام الجدد مما عزل القوى التقدمّية داخل الإطار الضيّق للفعل الاحتجاجي العابر . ففي ضل غياب الدعم الخارجي ( ماليا و دبلوماسيا ) يبقى الحل الوحيد أمام القوى الثوريّة هو التضحية في سبيل إنتاج حركة ثوريّة حقيقيّة يتمخّض عنها بديل ثوري ، فمن البديهي أنه لا وجود لحركة ثوريّة بدون نظريّة ثوريّة و هو ما يضع الطلائع و النخبة المثقّفة أما امتحان صعب أو بالأحرى أمام نداء الواجب التّاريخي ، فمستقبل هذه الشعوب المضطهدة يعتمد على مدى وعيهم بحساسيّة المرحلة و مدى قدرتهم على بلورة مشروع فكري ثوري ينتج بديل سياسي قائم على مبادئ : الحرّية ، الكرامة و العدالة الإجتماعيّة .
                   
صفوان الطرابلسي 

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire