منذ أسابيع و نحن نعيش على وقع
التّهديدات الإرهابيّة ( أحداث الشّعانبي و مؤتمر أنصار الشريعة بالقروان... ) و
الصّراعات الهامشيّة المتعلّقة بالهويّة ( الصّراع بين الوهابيين و الزواتنه ،
أمينة فامن و رفيقاتها في واقعة باب بنات... ) و هذا ليس بالأمر الغريب فمن يعاين
المشهد السياسي الوطني و الإقليمي لابد أن يلاحظ اللّمسة الحرفيّة للمخابرات
الغربيّة و الرّائحة العفنة للبترول الخليجي ، و الهدف واضح و جلي ، تحويل وجهة
المسار الثوري و تمهيد الطريق لحكّامنا الجدد للمرور من المرحلة المؤقتة إلى
المرحلة المؤبدة . لكن تنفيذ هذه الخطّة سيتطلّب تمويه ، تغطية و تشتيت للوعي
الشعبي لذلك يبدو الوقت مناسب لصعود بعبع الإرهاب إلى الواجهة و إثارة أزمة هويّة
عملا بالوصيّة الهتلريّة القائلة أن السّيطرة على الشّعوب تمر عبر إرهابهم و
إيهامهم أنهم معرّضون للخطر في كل لحظة . و لمزيد الفهم دعونا نبحث عن المستفيد أو
المستفيدين من كل هذه الخزعبلات و لنبدأ بحركة النهضة التي تسعى في هذه المرحلة
إلى تمرير مجموعة من المشاريع منها تطبيق سياسات التقشّف المجحفة المنصوص عليها في
إطار صفقة قرض البنك الدولي ، تفعيل قانون التّعويضات الذي سيكون داعما ماديا و
سياسيا كبيرا في الانتخابات القادمة كما استغلّت الفرصة لتتراجع عن التزاماتها
التي تعهّدت بها خلال الحوار الوطني الذي قام تحت قبّة الإتحاد في ما يخص الدستور
مع مواصلة التغلغل داخل مفاصل الدولة. المستفيد الثاني ، هو المؤسسة الأمنيّة و
المافيا التي أعادت التمركز داخلها بعد القسمة الجديدة ، حيث أعاد لها التهديد
الإرهابي و أحداث القيروان و حي التضامن نوع من الهيبة الاعتبارية و الشرعيّة
الرمزيّة لقمع الحركات الاحتجاجية كما مهد لهم الطريق لتقديم مشروع قانون مخزي اقل
ما يقال عنه أنّه جائر ، خانق للحرّيات و مؤسس دولة بوليسيّة قمعيّة اسوء من
سابقتها ، يرفع عون الأمن إلى مصاف المقدّسات أو ربّما أعلى من المقدّسات .
المستفيد الثالث و هم السلفيّون إذ تمكّنوا من العودة للعب دورهم المفضّل "
الضّحية " و هذا سيجلب لهم المزيد من التعاطف الشعبي يضاف إلى رصيدهم المستقبلي
الذي سيمكنهم من طرح أنفسهم كبديل إسلامي جديد في حال فشل النهضة كما سيفتح لهم
هذا التعاطف الابواب لمزيد التغلغل داخل الأوساط الشّعبيّة و استغلال العقد
العاطفيّة لشعوب تسير دائما ضد مصلحتها مظللة بحلم الهويّة الضّائعة و مجد الزمان
الغابر . المستفيد الرّابع ، هي القوى اليساريّة الانتهازية التي قررت الإستكانة و
الرّضا بالظهور الإعلامي الدّائم و فتات الكعكة المتبقّي على طاولة القسمة بما
أنها لا تحظى بأي دعم خارجي و ليس لديها الجرأة على اقتحام الأوساط الشعبيّة و
تكوين نواة ثوريّة تقدّميّة . أما الخاسر الأكبر و الوحيد هنا فهو الشعب التونسي ،
هم الفقراء و المهشمون و شباب الثورة الذين يحاكمون كل يوم في مختلف الولايات ،
فصابر المرايحي إبن الكبّاريّة رغم الإفراج المشروط مازال يواجه تهمة تصل عقوبتها
إلى خمسة و عشرين سنة سجنا و هو رهينة عديد التجاذبات ، فتحي الجلايلي إبن المونفلوري
يقضي حكما بعشر سنوات ، قيس صبّارة إبن السابعة عشر ربيعا اصيل ولاية قفصة ، تلميذ
يواجه حكما يصل إلى خمس سنوات و غيرهم من ابناء أجيم في جربة و شباب منّوبة و
قرقنة و لن ننسى طبعا جهاد مبروك إبن الشّابة و جريح الثورة الذي حكم عليه في
بداية هذه السنة بأربعة أشهر سجن و خطيّة ماليّة في إطار قضيّة كيدية و هو اليوم
يواجه حكم بشهر سجن بتعلّة التهرّب من أداء الواجب الوطني رغم ما هو معروف عن
خطورة حالته الصحيّة و الإهمال الطّبي الذي يعانيه . كل هذا و أكثر يبيّن الطابع
الممنهج للعماليات الإنتقاميّة التي تستهدف الشباب الثوري و خصوصا عندما نعلم أن
معظم هذه الشّكايات تتقدم بها جهات أمنيّة أو أطراف محلّية محسوبة على النظام
السّابق و تستهدف شباب الأحياء الشعبيّة ممن تتجاهلهم عدسات المحطّات الفضائيّة .
في النّهاية على الشعب التونسي أن يعي أن من يقايض حرّيته بالأمن يخسر في آخر
المطاف الاثنين ، كما أن هروب رأس النظام لا يعني سقوطه فعلى المسار الثوري أن
يستمر حتى تحقيق أهدافه التي استشهد من أجلها أبناء هذه الأرض فلا مناص عن تحقيق
أهداف الثورة : الكرامة ، الحرّية و العدالة الإجتماعيّة .
صفوان
الطرابلسي
نشر
بجريدة ضد السلطة
8 جوان
2013
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire