lundi 27 mai 2013

الثورة العربيّة بين المد الظلامي و غياب النظريّة الثوريّة


يشهد المجتمع العربي أزمة هويّة و منهجيّة أنتجت اغترابا فكريا و حضاريا دام لقرون عديدة و يبدوا أنّه سيتواصل ليلتهم آمال الشعوب المضطهدة في الثّورات المعاصرة ، كما نلاحظ في الفترة الأخيرة تفاقم لهذا الانفصام في الشخصيّة العربيّة خصوصا مع انفتاح المشهد الإعلامي على مشايخ الوهابية و صعود الإسلام السياسي إلى سدّة الحكم في عديد الدول ذات الثقل الحضاري و الإستراتيجي كتونس و مصر و ليبيا بالإضافة إلى انعكاسات التجاذب الدولي الحاصل في ما يخص الأزمة السّوريّة .
صعود الإسلام السياسي و غزوة الفكر الوهابي
 لم يكن صعود الحركات الإسلاميّة إلى سدّة الحكم إثر الثورات العربيّة بالأمر المفاجئ ، كان من المتوقّع  تصدّرها للمشهد في الفترة الانتقالية ، و قد ساهمت عدّة عوامل منطقيّة في منحها هذه الفرصة أهمّها استبطان قياداتهم لخطاب دعائي على المقاس الدولي و هرولتهم لتقديم الضمانات و طمأنة الدول الكبرى على سير مصالحها الإستراتيجيّة داخل المنطقة بالإضافة إلى تمتعهم بالدعم الدبلوماسي و المادي المتأتّي من دول الخليج . هذا على الصّعيد الدولي أمّا على الصعيد الشعبي فقد تركت الأنظمة السّابقة جملة من العقد التي استثمرتها هذه الحركات في خضم صراعها الانتخابي و أبرزها التعاطف الشعبي الناتج عن القهر الذي تعرضت له قواعدها خلال فترة الدكتاتوريّات السّابقة و لعبها على وتر الهويّة و الدين من خلال ترويج الفكرة القائلة بأن الإسلام في خطر و أن هذه الشعوب الضالة في حاجة إلى " نبيّ جديد " يثبّت في كيانها الإيمان و يعيدها إلى رشدها بعد نشوز. من هنا فتح الباب لتسرّب الأفكار الرّجعيّة التي يهل بها سفراء الظلاميّة من شيوخ الوهابيّة ،لينتشر الفكر التكفيري المتعصّب ، القائم على نبذ العقل و هدفه ككل فكر رجعي إرهاب الشعوب و غرس عقليّة القطيع في ثقافة المجتمع  و هذا ما سكون سببا في تعميق الأزمة الفكريّة التي تعيشها الشعوب العربيّة كما تسبب و سيتسبب في خلق " ظواهر مدمّرة " ستفضي بهذه المجتمعات إلي دوّامة العنف الممنهج و تفتح الباب أمام تركيز دكتاتوريّة جديدة ذات بعد ديني ، قائمة على منهج محاكم التفتيش ، تقمع كل فكر مغاير و أي محاولة للتطوير و التجديد ، ولنا في التّاريخ شواهد عدّة ، فلا شك أننا نعلم كيف حوصر الطبري حتّى موته في محنته الشهيرة و كيف صلب الحلاّج و سجن إبن حيّان حتى وفاته أما إبن المقفّع فقد قطّعت أوصاله و أحرقت كتب إبن رشد أمام عينيه في احتفال عام و قد امتد هذا الفكر حتّى التاريخ المعاصر لنشهد اغتيال حسين مروة و فرج فودة و مصطفى العقّاد و إعدام هاشم آغاجاري بعد محاضرة أتهم فيها بإهانة النبي و أخيرا و ليس آخرا اغتيال المناضل اليساري شكري بالعيد . بالتّالي هل يعقل أن تنتج ثورة على نظام مستبد آخر أكثر استبدادا ، و من هو الملام في خضم هذا الواقع المزري ؟
لن نلوم الحركات الإسلاميّة إذ من الواضح أنّها تعتبر هذا التردّي الثقافي  جزءا من مشروعها ، لكننا نوجه الأنظار نحو النخبة و الطلائع الشعبيّة و الفكريّة و السياسيّة ، التي تخفي تحت رداء الحكمة و التوازن خوفا من المواجة الفعليّة و عجزا على بلورة بديل ثوري و المرور به من مرحلة التنظير إلي الفعل العملي .
الثورة العربيّة و غياب النظريّة الثوريّة :
الثورة هي التغيير المفاجئ السريع و العميق في الكيان الاجتماعي ، هدفه القطع مع الاحوال القائمة في المجتمع وذلك من خلال إعادة تنظيم وبناء هيكلة إجتماعيّة مبنيّة على منظومة قيميّة جديدة .  قد يختلف المفكّرون من النّاحية النظريّة في توصيف هذا المفهوم ، لنجد التعريف التقليدي الذي صيغ ابّان الثورة الفرنسيّة و المتمثل في تغيير نظام الحكم بالقوّة  إثر هبّة شعبيّة بقيادة الطلائع المثقّفة و قد طوّر الفكر الماركسي فيما بعد الفكرة من خلال تحديده للطلائع المثقّفة المتمثّلة في القيادة العمّاليّة للبروليتاريا و دورها التأطيري للفعل الثوري الجماهيري. اما التعريف المعاصر فيلخّص الثورة في التّغيير الذي يحدثه الشعب من خلال أدواته(  كالقوات المسلحة ، شخصيّات وطنيّة تاريخيّة ، نقابات ... ) لنظام الحكم العاجز عن تلبية طموحاته و المرور إلى تنفيذ برنامج من المنجزات الثورية غير الاعتيادية . و نلاحظ هنا الرابط الجدلي بين إسقاط نظام الحكم و بلورة البديل الثوري الذي يمثّل غيابه احد الأسباب الرئيسيّة في تعثّر الثورة العربيّة . غياب المشروع الثوري  زاد في ضبابيّة الهدف المنشود و أسقط عن التحرّكات الشعبيّة طابعها الممنهج مما فتح الأبواب أمام القوى الرّجعيّة المدعومة من الإمبرياليّة الأمريكية للصعود إلى سدّة الحكم ، كما فتح المجال لركائز النظام السابقة حتى تتموقع من جديد داخل المشهد السّياسي و تعيد التمترس داخل مفاصل الدولة من خلال صفقات مشبوهة غير معلنة مع الحكّام الجدد مما عزل القوى التقدمّية داخل الإطار الضيّق للفعل الاحتجاجي العابر . ففي ضل غياب الدعم الخارجي ( ماليا و دبلوماسيا ) يبقى الحل الوحيد أمام القوى الثوريّة هو التضحية في سبيل إنتاج حركة ثوريّة حقيقيّة يتمخّض عنها بديل ثوري ، فمن البديهي أنه لا وجود لحركة ثوريّة بدون نظريّة ثوريّة و هو ما يضع الطلائع و النخبة المثقّفة أما امتحان صعب أو بالأحرى أمام نداء الواجب التّاريخي ، فمستقبل هذه الشعوب المضطهدة يعتمد على مدى وعيهم بحساسيّة المرحلة و مدى قدرتهم على بلورة مشروع فكري ثوري ينتج بديل سياسي قائم على مبادئ : الحرّية ، الكرامة و العدالة الإجتماعيّة .
                   
صفوان الطرابلسي 

jeudi 16 mai 2013

عــــام الجــــــوع

" إذا أردت السّيطرة على النّاس فخبّرهم أنّهم معرّضون للخطر ثم شكك في وطنيّة معارضيك " . ليس من الغريب أن تنسب هذه المقولة للزعيم النّازي " أدولف هتلر " و ليس من الغريب أيضا أن يتخذها حكّامنا السّابقون مرجعا لسياساتهم الدكتاتوريّة القمعيّة لكن من العار أن تتواصل هذه السياسة في وطن شهد ثورة من أجل الديمقراطيّة و العدالة الاجتماعيّة. قد يتغيّر وجه السلطة لكنّ سياسة الإرهاب الممنهج و التخوين تستمر لتنهك أحلام الشعوب المضطهدة . نحن اليوم رغم ثورتنا لم نخرج عن السرب أو عن الإطار الذي رسمه لنا النظام ، مازلنا نتحرّك داخل فلكه و نمتثل لخططه دون وعي ، مازال يلاعب غرائزنا و يوجّهنا كالدمى . فلنسأل أنفسنا ما الذي تغيّر ؟ لا شيء ، مازالت وصايا هتلر هي المرجع ، مازلنا نتلذذ بدور الضحيّة و نستقبل تجريحهم و تخوينهم و تكفيرهم برحابة صدر ، نعتبرها ختما يثبت رجولتنا و نضالنا ، لكنّهم لن يقفوا عند هذا ، هاهم يمرّون لتنفيذ باقي الوصّيّة لذلك فلتسكتوا و لتسيغوا السمع و الأبصار، لقد بدأ العرض يا رفاقي . انه الخراب، أعدّوا ما استطعتم من الأمل لترقصوا على بقايا الحطام و تجنّبوا إغراء الكلام ، إني أسمع أصواتا تناديني الى الغياب و لا طريق أمامي سوى اتباعها. لا ترهبنّكم قتامة الواقع و لا تسعدنّكم صور الأنباء المنمّقة ، فقط ابحثوا عن الحقيقة . لا تنسوا أن تشربوا نخبي إذا غادرتكم و أن تواسوا حبيبتي ، أرسلوا اليها باقة من الزّهور التي تحبّها و راقصوها في الأصيل كما عوّدتها ، اخلطوا دمعها بغبار رفاتي ، أضيفوا اليها قطرات من دمائكم ، قليلا من النبيذ الأحمر الرّخيص ، اسكبوها قطرة قطرة على ألسنة المقهورين كي تحرق ، أكتبوا بها وصيّتي على صدوركم و تعلموا أن ترقصوا في أرض المعركة ، اكتبوا شعركم على ايقاع الرصاص و موسيقاكم لحن البندقيّة و صيحات القصاص ، لا وجود لثورة سلميّة فالتاريخ نتاج للصراع ، تكتبه الأيادي الصّامدة بالدّماء . لذلك حين تريد قراءة التاريخ ، دع جانبا الكتب المدرسيّة و ما في عناوينها من خداع و أساطير بهلوانيّة . ركّز بين السطور و في الهوامش المهملة ، ستمسك طرف الخيط هناك و ستدرك أن الحاضر مجرّد بعد وهمي ، شهاب غير مرئي ، لا يأسس عليه شيء . غدا بداية يوم جديد و حياة جديدة ، ربما تكون أحسن أو اسوء قليلا ، أعدّوا ما استطعتم من أمل للمقاومة ، ربّما مازال على هذه الأرض فسحة من الحياة و ماهي الحياة ان لم تكن مقامة أزليّة للرداءة ، و بحثا لا ينتهي عن الحب بعد استنفاذ الحقد داخل الغوغاء ، لذلك ، احفظوا ما أمكن من أغنيات ، فهي زاد للمحارب و اكتبوا مذكّراتكم عن المعارك حتّى و لو كانت خاسرة .
تضيع الأيّام ، سطور نكتبها بأيدينا و لا نحسن قراءتها ، نخوض معركة عابرة ، نجتر أحلاما واهية و نتفرّغ بعد الهزيمة للبكاء ، نشتاق لرائحة الأرض و نمقت طعم المنفى و الجفاء ، نحزم حقائبنا للرّحيل و نظنّه المثوى الأخير ، لكن الطريق طويل و لم يعد في الوطن مكان يقبلني ، في وطني حيث للدمع نهر و للدم نهر و للنفط نهر و ليس فيه للحب نهر ، وطني حيث يموت الأصيل . وطني حيث مات الصبر صبرا ، حيث يبكي الحر قهرا ، حيث يعلو الجوع هرما ، حيث ركّزنا العمائم فوق رؤوس الحمير ، يبني الشعب صرحا للملوك ثم يبيت على الحصير ، وطني حيث للدمع نهر و للدّم نهر و للنفط نهر ، ترى هل لنا فيك قبر ؟ فأنا لا أهوى الرّكوع و العام عام جوع و قيصرنا العظيم يتربّص بجمجمتي ، يريد أن يصنع منها كأسا لنبيذه المقتّر من دماء الأبرياء و أنا لا أهوى الرّياء . وطني متى يكون للحب فيك نهر يغمر جسدي المصلوب على باب المعبد المزيّف ، متى يلقي سيزيف الصخرة عن كاهله و يكتشف أن الآلهة انتحرت تحت قدمي في لحظة يأس منسيّة ، متى يرفع رأسه للسمــــــــــاء ، لقد طال الإنحناء ، وطني ان التاريخ لا يرحم من يكتفي بالبكاء ، نكتب المراثي على شرف الأصدقاء و نرسو على الأطلال لنحرق ما تبقى من سفن الحروب و نطمع في السلام و تطهير الذّنوب . نستذكر المجد القريب و ابتسامات الحبيب و خيالات الرفاق حين كانوا يشحذون عزائمنا المجهدة . من هنا مرّوا ، كتبوا وصاياهم على الجدران و انسحبوا ، حملوا حقائب السفر ، أحرقوا دفاتر اليوميّات و الصور ، و استعدّوا للرّحيل الأخير ، و لنا خلفهم نفس المصير .
ما أجمل الموت على أسوارك يا وطني و ما أعذب الدمع حين يداعب شفتي حبيبتي ، قيصرنا العظيم نصب لنا المشانق في السّاحات و أعدمنا أمام نسائنا و سيستعبد أبناءنا عن قريب ، بينما أعناق الرّجال تنحني في تحيّة للغياب و الفجر يعلن عن موت القمر في أدغال السحاب ، رفاقنا الحالمون ، ينتظرون في السجون يوم العفو المرتقب ، سيرقصون على أنقاض الخراب الجميل و يشربون نخب وطن عليل ، وطن حيث للدمع نهر و للدّم نهر و للنفط نهر و ليس فيه للحب نهر وطن حيث يموت الأصيل .


صفوان الطرابلسي
نشر بجريدة ضد السلطة
16/05/2013

vendredi 10 mai 2013

تحت السّور

كان يجلس في ذهول ، تلهيه هالة الأضواء و الأجواء الغريبة لقاعة التّصوير عن ما يدور من حديث داخل " الأستوديو " . نظراته المبهمة ، الهائمة مثّلت أبلغ تعبير عن سذاجة الطّفولة المقهورة . استهوته آلات التّصوير الكثيرة و أشكالها المتنوّعة الغريبة ، أبهرته فخامة الأثاث، تمنّى لو كان لهم في البيت أريكة مريحة كالتي يجلس عليها الآن ، كان سيتسنّى لوالدته النّوم في راحة ، دون أن تنغّص ليلتها آلام الظّهر اللّعينة. تسرقه أحلام اليقظة ، تأخذه في رحلة لذيذة ، يتخيّل هذا المكان ملكا له ، يتخيّل نفسه و قد صار رجلا بشاربين كثّين  ، جالسا خلف هذه الآلات الخرافيّة يحركها و يكلّم من حين لآخر سيّدة جميلة كالتي تجلس أمامه الآن . تطير به الأحلام ، ينسى خجله لدقائق لكن لغط الجمهور يأتي من حين لآخر فيوقظه  ليعيده إلى واقعه المرير ، يحاول أن يسأل أمه عن سبب قدومه إلى هذا المكان ، لكنها تنتهره بلطف ، تسكته بوخزة صغيرة هامسة في أذنه " تأدّب يا بنّي ، الناس يشاهدوننا ، كن عاقلا ...  " . هي أيضا يحتلّها الخجل ، ماذا ستجيبه إن أصر على سؤاله ، جئنا هنا لنتسوّل ، نفضح آلامنا أمام آلاف البشر على المباشر ، ترى هل سيغفر لها حين يكبر؟ هل سيتفهّم معاناتها ؟ تهاجمها اسئلة بغيضة لكنها مع ذلك تخفي حرجها و تواصل حوارها الثقيل مع المذيعة بينما طفلها يغوص في أحلامه ، محاولا لجم فضوله و الإكتفاء بإمتاع نظره . فجأة تضع أمّه المصدح بين يديه و تباغته السيّدة الأنيقة بسؤال غريب لم يعتد سماعه " أحمد ... قل لي ماذا تريد ، ما الذي ينقصك ..." ، السؤال مفاجئ ، غريب أمر هذه السّيدة ، تفحّصها بنظرة سريعة ، أنيقة و جميلة ، جذبه لمعان السّاعة في معصمها و بشرتها البيضاء السّاحرة .ظل صامتا لبرهة لكنّها ألحّت عليه " أحمد تكّلم ، لا تخجل ، ما الذي تريده ، ما هي الأشياء اللتي تحبّها ؟ " . " ماذا تريد ، ماذا تحب ، ما الذي ينقصك ؟ "  هو يريد أشياء كثيرة ، تنقصه أشياء كثيرة ، ترى هل يستسمحها اللّعب بتلك الآلات الغريبة ، هل يطلب منها أخذ الأريكة كي يخفف من ألم والدته ، هل يصارحها بأنّه يريد تقبيلها و يشتهي أن يملك في يوم من الأيّام ساعة لامعة مثل ساعتها  ... إنساب مع سيل أمانيه المكتومة لكنّ خاطرا ثقيلا نغّص تفكيره البريء ، تذكّر كلمات معلّم الرّياضة حين نهره و منعه من اللّعب في حصّته نظرا لأنه لا يملك حذاءا رياضيا ، تذكّر نظرات الشفقة في عيون زميلاته و عبارات السّخرية التي نبس بها الصبية و هم يشيرون إليه و يغيظونه ، تذكّر الوقوف المهين تحت سور الملعب ، حابسا دمعه ، كاظما حقده مصطنعا عدم المبالاة أمام أصدقائه . غالبته الأحاسيس و دون أن يشعر تنهّد ناطقا عبارته اليتيمة بحرقة ""   "أريد حذاءا رياضيا "  كلماته خرجت كالرّصاصة لتخترق قلوب كل من شاهدوه ، سكت الجميع و نزل على الحاضرين صمت مريع إذ لم يتمالك الطفل نفسه و أجهش بالبكاء ، إنّه الصمت المقدّس في حضرة الألم الأزليّ للبشر المضطهدين . ضمته الأم بين ذراعيها محاولة مواساته و مسح دموعه المنهمرة ، لكنّها لم تتمالك هي الأخرى نفسها ، كان إحساس الذنب ينهشها ، ما الذي أتى بها إلى هذا المكان الملعون سوى الشيطان و الفقر المهين . ارهقها كبت مشاعرها و استسلمت لبكاء مر ،  لم تكن وحدها تبكي ،  بكت المذيعة و الجمهور و لن تكون إنسانا إن لم تبكي دما عند مشاهدة هذا الفصل الدّرامي الواقعي. لكن ما فائدة دموعك أيّها السّاذج أمام هذا البؤس المقزز ، ما نفع نواحك ما دمت ستجد ألف تعليل لركودك حين تخلد إلى نفسك ، بكاؤك مجرّد ترويح عن النفس يسكت إحساسك بالذّنب و بالمسؤوليّة تجاه هؤلاء المعذّبين على الأرض. لن تتحمّل المشهد ، لا عليك حاول الهروب و غير القناة لكن بذاءة الواقع ستلاحقك ، نشرة الأخبار ينضح منها العار ، نوّاب المجلس التأسيسي يسعون لتمرير منحة جديدة ، صراع ديكة تحت قبّة مجلس الشّعب ، من سينال شرف سرقة الشّعب ، شتائم و مشادات و ترّهات ، شريط هندي مبتذل ، هذا يريد اقتناء سيّارة و الآخر لديه إلتزامات عائليّة و ثالث لم تعد تكفيه " الشّهريّة "  و رابع يريد منحة سياحيّة و خامس يعربد لأن إيجار مكتبه ارتفع و سادس لأن" الوسكي " عن طاولته انقطع و الشعب مازال يجتر الصبر ، ينتظر يوم الفرج و الدّستور أكله الحمار و الوطن يهدده الدّمار و أحمد مازال يجلس كل اسبوع خلال حصّة الرّياضة تحت السور  لأنه لا يملك ثمن حذاء رياضي ... 

صفوان الطرابلسي 

jeudi 2 mai 2013

خرافة الديمــ(و)قراطيّة


حينما سئل "فيكتور هيجو" عن الدّيمقراطيّة ، أجاب بصراحة أن العبرة ليست في صندوق الإنتخاب ، من الجيّد أن يذهب الشّعب للتصويت لكن لا قيمة لصوته ما لم ينجح المجتمع أوّلا في إرساء قضاء مستقل و فرض صحافة حرّة و شرسة تستميت في الدّفاع عن الفئات المضطهدة و الطبقة الكادحة ضد ثالوث السّلطة الغاصب : سلطة المال ، سلطة السّلاح و سلطة الدّين . هذا المحور المرعب الطّامح لتدمير الدّولة الشعبيّة التقدميّة ، حلم الملايين و الضّامن الوحيد للكرامة البشريّة و العدالة الإجتماعيّة . و لهذا  قبل الحديث عن الدّيمقراطيّة في شكلها العام بما هي آليّات حكم و تسيير علينا أن ننظر في جوهرها الغير معلن ، النسبي إلى حد التشتت و المتغيّر عبر العصور ، و لمزيد الفهم وجب أن نطرح السؤال الأزلي ، في مصلحة من هي ؟
فهمنا الرّاهن للدّيمقراطيّة ليس سوى وهم و هلوسات ناتجة عن الإستكانة للأفكار الرّجعيّة التي فرضها نمط الحياة الإستهلاكي. و هنا نقطة تناقض جوهريّة ، إذْ بقدر التطوّر التكنلوجي الذي نشهده نعيش فترة تصحّر فكري غريبة و حتّى العلوم الإنسانيّة صارت تقتصر على دراسة الظواهر إنطلاقا من بعد نقدي بحت و ليس إنطلاقا من رغبة تغيير و ايجاد حلول جذريّة . هنا نستنتج أن الفكر اللبرالي الرّأسمالي أنتج مجتمعات محافظة تعتبر الخروج عن الحدود التي رسمها النظام خطيئة كبرى . و فهمنا للديمقراطيّة يأتي في هذا السّياق ، هي بالنسبة لنا لا تتجاوز الصّنم الذي نصوغه بأيدينا ثم نعبده اجتنابا لتأنيب ألضمير كالمجتمعات الجاهليّة .
لأننا لو تناولناها من النّاحية العمليّة  فلا وجود للديمقراطيّة في كنف نظام لبرالي رأسمالي . حين تتجمّع سلطة السلاح و المال في يد واحدة و يشرع لهما عبر النّفوذ العاطفي للدّين لا يمكن فيما بعد حماية وسائل الإنتاج و الثروات بل سينقرض الإنسان نفسه إذ يتحوّل إلى وسيلة للإنتاج ، آلة ، عبد لهذه السلطة التي تمارس هيمنتها انطلاقا من شرعيّة النّظام الدّيمقراطي الذي استبطنه الشعب . إذا ليس للديمقراطيّة معنى في ضل عجزها عن تحقيق العدالة الإجتماعيّة و ليس في مقدور منظومة إجتماعية مثل المنظومة الرّأسمالية - قائمة على إستغال السّلط الثلاث للسيطرة على وسائل الإنتاج - أن تفرز مجتمعا متوازنا حتى و لو أدخل عليها جانب من التّلطيف الدّيمقراطي على مستوى آليّات الحكم ، إذ من غير المنطقي أن نجمع بين المستغِل و المستغل داخل إطار واحد و نطمع في بناء منظومة إجتماعيّة مستقرّة .
علينا أن نقر بسذاجتنا إذا اعتبرنا أن ما نعيشه اليوم هو مسار انتقال ديمقراطي ، بل هو في أحسن الحالات بناء لنظام تمثيلي على الشّاكلة الأمريكيّة أو الأوروبيّة ، نظام تعيد  أقطاب السّلطة السّابقة التموقع داخله وفقا لقانون داخلي جديد و لآليّات جديدة متّبعة في تقسيم الغنيمة . بصريح العبارة أنظمة دكتاتوريّة تعتمد آليّات الدّيمقراطيّة لكسب الشّرعيّة الشّعبيّة و هدفها ككل الأنظمة الإستغلاليّة يتلخص في السّيطرة على ثروات الشّعوب و وسائل إنتاجها . لهذا علينا التوقّف عن اجترار الوهم و المرور الى جوهر الأفكار ، نحدد أهدافنا بوضوح : نحن نبحث عن العدالة الإجتماعيّة ، عن الكرامة البشريّة و عن حماية الإنسان من الإندثار في خضم هذه الحرب ضد السلط الثلاث الآنف ذكرها . علينا السّير إلى الهدف و تحقيقه ، الديمقراطيّة التمثيليّة ليست سوى فكرة قاصرة ، هي مجرّد آليّة عاجزة في ضل غياب الإرادة السياسيّة و الممارسة الأخلاقيّة . شعوب الأرض تستحق أكثر من هذا بكثير ، لكن على هذه الشعوب أيضا أن تعي دورها و على نخبها أن تؤدي واجبها المقدّس ، الصراع في سبيل حيازة السّلطة كأداة لتغيير الواقع منهج أثبت إفلاسه و قصوره ، من يريد تغيير الواقع عليه أن ينزل للشوارع ، للحقول ، للمدارس ، للجامعات و المصانع ، عليه أن يمر سريعا إلى مرحلة الممارسة الماديّة و أن يخرج من بوتقة الفعل الرّمزي ، يساهم في تطوير وعي الشّعب و بناء عقليّة ثوريّة ، قائمة على منظومة قيميّة جديدة أساسها مقاومة الرّداءة الفكريّة و الظلم الإجتماعي و الإبتذال المتجسّد في الكيان الخاضع للإنسان العامّي ، علينا أن نعيد بناء شخصيّة الإنسان المعاصر كي يحمل الرّاية و يقلب المعادلة و هذا البناء ينطلق من القاعدة ، من خلال تثوير الثقافة الشّعبيّة و إعادة الإعتبار للشعوب التي ستكتشف عندها قيمة نفسها ، مدى تأثير فعلها الثّوري و تدرك أن السّلطة الحقيقيّة كامنة بين يديها .

صفوان الطرابلسي 
نشر بجريدة ضد السلطة
في 2013/05/02
·