سكــــــــــــــــــــــوت ،
سيبدأ العرض ...
انه الخراب يا رفاقي ، أعدّوا ما استطعتم
من الأمل لترقصوا على بقايا الحطام و تجنّبوا إغراء الكلام ، إني أسمع أصواتا
تناديني الى الغياب و لا طريق أمامي سوى اتباعها. لا ترهبنّكم قتامة الواقع و
لا تسعدنّكم صور الأنباء المنمّقة ، فقط ابحثوا عن الحقيقة . لا تنسوا أن تشربوا
نخبي إذا غادرتكم و أن تواسوا حبيبتي ، أرسلوا اليها باقة من الزّهور
التي تحبّها و راقصوها في الأصيل كما عوّدتها ، اخلطوا دمعها بغبار رفاتي ، أضيفوا
اليها قطرات من دمائكم ، قليلا من النبيذ الأحمر الرّخيص ، اسكبوها قطرة
قطرة على ألسنة المقهورين كي تحرق ،
أكتبوا بها وصيّتي على صدوركم و تعلموا أن ترقصوا في أرض المعركة ،
اكتبوا شعركم على ايقاع الرصاص و موسيقاكم لحن البندقيّة و صيحات القصاص ، لا وجود
لثورة سلميّة فالتاريخ نتاج للصراع ، تكتبه الأيادي الصّامدة بالدّماء .
لذلك حين تريد قراءة التاريخ ، دع جانبا الكتب المدرسيّة و ما في عناوينها من خداع
و أساطير بهلوانيّة . ركّز بين السطور و في الهوامش المهملة ، ستمسك طرف الخيط
هناك و ستدرك أن الحاضر مجرّد بعد وهمي ، شهاب غير مرئي ، لا يأسس عليه شيء . غدا بداية يوم جديد و حياة جديدة ، ربما تكون أحسن
أو اسوء قليلا ، أعدّوا ما استطعتم من أمل للمقاومة ، ربّما مازال
على هذه الأرض فسحة من الحياة و ماهي الحياة ان لم تكن مقامة أزليّة للرداءة ، و
بحثا لا ينتهي عن الحب بعد استنفاذ الحقد داخل الغوغاء ، لذلك ، احفظوا ما أمكن من
أغنيات ، فهي زاد للمحارب و اكتبوا مذكّراتكم عن المعارك حتّى و لو كانت خاسرة .
تضيع الأيّام ، سطور نكتبها
بأيدينا و لا نحسن قراءتها ، نخوض معركة عابرة ، نجتر أحلاما واهية و نتفرّغ بعد
الهزيمة للبكاء ، نشتاق لرائحة الأرض و نمقت طعم المنفى و الجفاء ، نحزم حقائبنا
للرّحيل و نظنّه المثوى الأخير ، لكن الطريق طويل و لم يعد في الوطن مكان يقبلني ،
في وطني حيث للدمع نهر و للدم نهر و للنفط نهر و ليس فيه للحب نهر ، وطني حيث يموت
الأصيل . وطني حيث مات الصبر صبرا ، حيث يبكي الحر قهرا ، حيث يعلو الجوع هرما ،
حيث ركّزنا العمائم فوق رؤوس الحمير ، يبني الشعب صرحا للملوك ثم يبيت على الحصير ،
وطني حيث للدمع نهر و للدّم نهر و للنفط نهر ، ترى هل لنا فيك قبر ؟ فأنا لا أهوى
الرّكوع و العام عام جوع و قيصرنا العظيم يتربّص بجمجمتي ، يريد أن يصنع منها كأسا
لنبيذه المقتّر من دماء الأبرياء و أنا لا أهوى الرّياء . وطني متى يكون للحب فيك
نهر يغمر جسدي المصلوب على باب المعبد المزيّف ، متى يلقي سيزيف الصخرة عن كاهله و
يكتشف أن الآلهة انتحرت تحت قدمي في لحظة يأس منسيّة ، متى يرفع رأسه للسمــــــــــاء
، لقد طال الإنحناء ، وطني ان التاريخ لا يرحم من يكتفي بالبكاء ، نكتب المراثي على شرف الأصدقاء
و نرسو على الأطلال لنحرق ما تبقى من سفن الحروب
و نطمع في السلام و تطهير الذّنوب . نستذكر المجد القريب و ابتسامات الحبيب
و خيالات الرفاق حين كانوا يشحذون عزائمنا المجهدة . من هنا مرّوا ، كتبوا وصاياهم
على الجدران و انسحبوا ، حملوا حقائب السفر ، أحرقوا دفاتر اليوميّات و الصور ، و
استعدّوا للرّحيل الأخير ، و لنا خلفهم نفس المصير .
ما أجمل الموت على أسوارك يا وطني
و ما أعذب الدمع حين يداعب شفتي حبيبتي ، قيصرنا العظيم نصب لنا المشانق في
السّاحات و أعدمنا أمام نسائنا و سيستعبد أبناءنا عن قريب ، بينما أعناق الرّجال
تنحني في تحيّة للغياب و الفجر يعلن عن موت القمر في أدغال السحاب و رفاقنا
الحالمون ، ينتظرون في السجون يوم العفو المرتقب ، سيرقصون على أنقاض الخراب
الجميل و يشربون نخب وطن عليل ، وطن حيث للدمع نهر و للدّم نهر و للنفط نهر و ليس
فيه للحب نهر وطن حيث يموت الأصيل .
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire