كثر الجدل حول مسودّة الدستور و
جنودنا الأشاوس يقتفون في جبل الشعانبي آثار الغول. طال الحديث حول حرّية الضمير و
الهويّة الضّائعة بين لحية السّلفي و نهدي أمينة. احتدّ النقاش حول تاريخ
الانتخابات و رابطات حماية الثورة فقرر الرئيس التحرّك في الوقت الحاسم ليجمع جميع
الأطراف المبتورة على طاولت الحوار خوفا من الدّمار معرّجا على رأي جهابذة السياسة
الدّوليّة في تحليل الأزمة السّوريّة و تأثيرها على مجرى الاحتجاجات التركيّة و
العلاقات الأمريكيّة الرّوسيّة...
مشهد مبتذل و قذر تطول فيه النقاشات البيزنطيّة ، يتزايد فيه الثوريّون المثقوبون دون أن يملك أحدهم الشجاعة و الرّجولة الكافية للخروج عن حدود الدائرة المفرغة للجدل العقيم التي رسمها النظام بدماء شهداء الوطن.
الأمر في غاية البساطة ، لا تغريكم التعريفات المعقّدة و النظريّات المفبركة ، الأمر جلي كنور الشمس لو لا عمى الألوان الذي أصابنا. سياسة التشتيت و الإلهاء ، سياسة الرعب و الإرهاب و الغباء ، سياسة التّهميش و التفقير ،قضيّة الشعب الأساسيّة التي تتلخّص في أهداف ثورته " كرامة ، حرّية ، عدالة إجتماعيّة " تم اغتيالها و اغتصاب ما تبقّى من أمل الشعب المضطهد . ماتت الثورة بعد صراع طويل ، قتلها العدو بيد ابنائها ، جهلهم صوّر لهم أنها ليلة للاحتفال تنجلي مع مرور الهجيع لكنها في الحقيقة عقليّة و مسار طويل ، سذاجتهم أوهمتهم أنها لمسة سحريّة تغسل الذّنوب و تنشر الأخوّة بين الفارس و التنين ، بين الذئب و الرّاعي الحزين ، سلّموها عن حسن نيّة هديّة لسماسرة الأرض المتخفّين في بذلة السياسيين و الحقوقيين. الاحتضار يطول لكنها قبل الرّحيل أقسمت بألف يمين أن تأكل أبناءها لا كرها أو انتقاما من صنيعهم بل حبا و شفقة من بذاءة المشهد الأخير ، حين تنصب المشانق في ساحات الحرّية و ينزل حد المقصلة ليعلن عن نهاية المسرحيّة. لقد أسدل الستار و تمخّضت المهزلة عن مأساة ، هذه هي سنّة التاريخ. فتحي الجلايلي وقف يوم الاثنين وحيدا في جلسة الاستئناف الأخيرة ، خذله المحامون و لم يحضر الحقوقيّون المزيّفون و الإعلام المحايد ، هذا طبيعي، شاب فقيرا يقطن في حي شعبي تعيس ، قضيّته لم تنل التغطية الإعلاميّة الكافية كي تصير حديث الرّأي العام و ملفا مغريا للمزايدة. صابر المرايحي يعاني أيضا ويلات المرض وحيدا بعد أن قضّى أكثر من سنة في سجون النظام القذرة ، تقرّحات جلده الملتهبة ، المخضّبة بالقيح و الدماء ليست سوى صورة لضمائرنا الميتة و المتعفّنة. جهاد مبروك الجريح الحاضر في كل التحرّكات الشعبيّة منذ الثورة ، في حالة فرار بعد أن حكم عليه بشهر سجن مع النفاذ بتهمة التهرّب من الخدمة العسكريّة و جميعنا يعرف ماذا يعني السجن في حالة جهاد ، إنها التصفية ، قد تبدو كلمة مرعبة لكنّها الحقيقة و هي سياسة ممنهجة فجرحى الثورة مسلم قصد الله ، خالد بن نجمة ، شكري الرياحي ، حلمي الخضراوي ، زياد قراوي ، يسري الزرلي و حاتم هلالي يدخلون منذ حوالي الأسبوعين في إضراب رغم حالتهم الصّحيّة المزرية جرّاء الإهمال المتعمد . لا يتوقّف المد الانتقامي عند هذا الحد ليعود التضييق على المدوّنين : قضية مدوني قصور الساف و المدون الآخر المسجون على خلفية تهمة التعدي على الذات الإلهية و المدون حكيم الغانمي و تهمته التعدّي على الذات العسكريّة ، كل الذوات مقدّسة في هذا الوطن إلا الذات البشريّة . لن ننسى ملفّات شباب الثورة في أجيم بجربة و قرقنة و منزل شاكر و غيرها مما خفي عن الأعين فهؤلاء الشباب المهمّشون لا تصلهم عدسات الفضائيّات إلا اذا وهبوا أنفسهم في سوق المزايدة أو افسحوا المجال للمتاجرة بآلامهم في برامج البكائيّات كل ليلة جمعة .
يبدو أن النهاية قد أزفت ، لكنها حتما بداية مرحلة جديدة من النضال لأن اليأس في عرف الثوريين خيانة ، نحن في حاجة إلى جيفارى جديد يعيد الأمل ، ثوري حقيقي يؤمن بقدرة الشعوب على التغيير ، يعرف معنى الألم ، يتحمّله بلذّة صوفي و يصمد بايمانه العميق أمام مشهد الدم النازف مرددا في سرّه كلمات الحلاج الخالدة عند صلبه "ركعتان فى العشق لا يصح وضوءهما إلا بالدم". ركعتان في عشق الله و الوطن لا تنتظران معجزة ، بل إرادة شعب ، عصر المعجزات ولا و انتهى ، من ينتظر قيام المسيح سيموت على أسوار رومى محترقا ، " فالمحررون لا وجود لهم الشعوب وحدها هي من تحرر نفسها ". و الثأر النائم في الصّدور الحاقدة كفيل بأن يوقظ المارد المدفون ، ذلك الثائر المنشود المتخفّي في وداعة كل قلب حي ، حين يقف أمام الدهر كتلميذ يعلّمه كيف يقرأ التاريخ وفق القواعد الصّحيحة و ينشد كلمات النّوّاب في ترنّم مأتمي " علمني الدفن أن أمسح الطين عن أصدقائي/ وعلمني الدفن أن يكون من الأنهر الأبدية مائي / وعلمني أن أعشق الرحم الأزلية للأرض/ وان تكون امرأتي حين تكفر كل النساء "
هكذا قال الشاعر و هكذا يعلّمنا الدهر أن الخلاص في السير على فانوس العدل و الاستمساك بالقبس الهزيل حتّى النهاية ، فمن يترك رسن خيله في يد السمسار يجنح به إلى وادي الهلاك حيث القفار و الجفاف، لن نبحر سوى على نهر الشعب الأزلي ، مجهد من طول العطاء لكّنه ابدي لا ينضب له نبع .
مشهد مبتذل و قذر تطول فيه النقاشات البيزنطيّة ، يتزايد فيه الثوريّون المثقوبون دون أن يملك أحدهم الشجاعة و الرّجولة الكافية للخروج عن حدود الدائرة المفرغة للجدل العقيم التي رسمها النظام بدماء شهداء الوطن.
الأمر في غاية البساطة ، لا تغريكم التعريفات المعقّدة و النظريّات المفبركة ، الأمر جلي كنور الشمس لو لا عمى الألوان الذي أصابنا. سياسة التشتيت و الإلهاء ، سياسة الرعب و الإرهاب و الغباء ، سياسة التّهميش و التفقير ،قضيّة الشعب الأساسيّة التي تتلخّص في أهداف ثورته " كرامة ، حرّية ، عدالة إجتماعيّة " تم اغتيالها و اغتصاب ما تبقّى من أمل الشعب المضطهد . ماتت الثورة بعد صراع طويل ، قتلها العدو بيد ابنائها ، جهلهم صوّر لهم أنها ليلة للاحتفال تنجلي مع مرور الهجيع لكنها في الحقيقة عقليّة و مسار طويل ، سذاجتهم أوهمتهم أنها لمسة سحريّة تغسل الذّنوب و تنشر الأخوّة بين الفارس و التنين ، بين الذئب و الرّاعي الحزين ، سلّموها عن حسن نيّة هديّة لسماسرة الأرض المتخفّين في بذلة السياسيين و الحقوقيين. الاحتضار يطول لكنها قبل الرّحيل أقسمت بألف يمين أن تأكل أبناءها لا كرها أو انتقاما من صنيعهم بل حبا و شفقة من بذاءة المشهد الأخير ، حين تنصب المشانق في ساحات الحرّية و ينزل حد المقصلة ليعلن عن نهاية المسرحيّة. لقد أسدل الستار و تمخّضت المهزلة عن مأساة ، هذه هي سنّة التاريخ. فتحي الجلايلي وقف يوم الاثنين وحيدا في جلسة الاستئناف الأخيرة ، خذله المحامون و لم يحضر الحقوقيّون المزيّفون و الإعلام المحايد ، هذا طبيعي، شاب فقيرا يقطن في حي شعبي تعيس ، قضيّته لم تنل التغطية الإعلاميّة الكافية كي تصير حديث الرّأي العام و ملفا مغريا للمزايدة. صابر المرايحي يعاني أيضا ويلات المرض وحيدا بعد أن قضّى أكثر من سنة في سجون النظام القذرة ، تقرّحات جلده الملتهبة ، المخضّبة بالقيح و الدماء ليست سوى صورة لضمائرنا الميتة و المتعفّنة. جهاد مبروك الجريح الحاضر في كل التحرّكات الشعبيّة منذ الثورة ، في حالة فرار بعد أن حكم عليه بشهر سجن مع النفاذ بتهمة التهرّب من الخدمة العسكريّة و جميعنا يعرف ماذا يعني السجن في حالة جهاد ، إنها التصفية ، قد تبدو كلمة مرعبة لكنّها الحقيقة و هي سياسة ممنهجة فجرحى الثورة مسلم قصد الله ، خالد بن نجمة ، شكري الرياحي ، حلمي الخضراوي ، زياد قراوي ، يسري الزرلي و حاتم هلالي يدخلون منذ حوالي الأسبوعين في إضراب رغم حالتهم الصّحيّة المزرية جرّاء الإهمال المتعمد . لا يتوقّف المد الانتقامي عند هذا الحد ليعود التضييق على المدوّنين : قضية مدوني قصور الساف و المدون الآخر المسجون على خلفية تهمة التعدي على الذات الإلهية و المدون حكيم الغانمي و تهمته التعدّي على الذات العسكريّة ، كل الذوات مقدّسة في هذا الوطن إلا الذات البشريّة . لن ننسى ملفّات شباب الثورة في أجيم بجربة و قرقنة و منزل شاكر و غيرها مما خفي عن الأعين فهؤلاء الشباب المهمّشون لا تصلهم عدسات الفضائيّات إلا اذا وهبوا أنفسهم في سوق المزايدة أو افسحوا المجال للمتاجرة بآلامهم في برامج البكائيّات كل ليلة جمعة .
يبدو أن النهاية قد أزفت ، لكنها حتما بداية مرحلة جديدة من النضال لأن اليأس في عرف الثوريين خيانة ، نحن في حاجة إلى جيفارى جديد يعيد الأمل ، ثوري حقيقي يؤمن بقدرة الشعوب على التغيير ، يعرف معنى الألم ، يتحمّله بلذّة صوفي و يصمد بايمانه العميق أمام مشهد الدم النازف مرددا في سرّه كلمات الحلاج الخالدة عند صلبه "ركعتان فى العشق لا يصح وضوءهما إلا بالدم". ركعتان في عشق الله و الوطن لا تنتظران معجزة ، بل إرادة شعب ، عصر المعجزات ولا و انتهى ، من ينتظر قيام المسيح سيموت على أسوار رومى محترقا ، " فالمحررون لا وجود لهم الشعوب وحدها هي من تحرر نفسها ". و الثأر النائم في الصّدور الحاقدة كفيل بأن يوقظ المارد المدفون ، ذلك الثائر المنشود المتخفّي في وداعة كل قلب حي ، حين يقف أمام الدهر كتلميذ يعلّمه كيف يقرأ التاريخ وفق القواعد الصّحيحة و ينشد كلمات النّوّاب في ترنّم مأتمي " علمني الدفن أن أمسح الطين عن أصدقائي/ وعلمني الدفن أن يكون من الأنهر الأبدية مائي / وعلمني أن أعشق الرحم الأزلية للأرض/ وان تكون امرأتي حين تكفر كل النساء "
هكذا قال الشاعر و هكذا يعلّمنا الدهر أن الخلاص في السير على فانوس العدل و الاستمساك بالقبس الهزيل حتّى النهاية ، فمن يترك رسن خيله في يد السمسار يجنح به إلى وادي الهلاك حيث القفار و الجفاف، لن نبحر سوى على نهر الشعب الأزلي ، مجهد من طول العطاء لكّنه ابدي لا ينضب له نبع .
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire