كيف يكون
لرسائلي معنى و لم يعد للمنطق في هذا الوطن وجود ؟ كيف أكتب لك قصائد الحب و قلمي
ينزف حقدا و دما متخثّرا ؟ أين أجد زهرة حمراء اللون ، أملأ ببتلاتها الظرف قبل
ارساله ، فمن فرط خطايانا قاطعنا الرّبيع . من الارهاب الى الارهاب نمضي و الدفء
يموت شيئا فشيئا داخل قلبي ، كيف سأبكي يوم تكتشفين الحقيقة و تهجرينني ، لقد جف
الدمع ، بتنا نودّع الشهداء كما نودّع الغروب ، نجتر الصمت بحزن عميق و قلب عليل
لكن دون دموع .
"
سيّدتي ... أيقتلك البرد ؟ أنا يقتلني نصف الدفء و نصف الموقف أكثر. " أنا
يقتلني صقيع القلب ، يأس رفاقي و غدر الشيطان الأكبر . سيّدتي لا تطلبي منّي أن
أحكي عن تاريخ العشق الضّائع بين ثنايا الخوف ، لا تطلبي منّي أن أرقص فرصاص الغدر
يعزف لحنا صوفيا يغريني بالموت ، يهديني لقبا أبديا و دموع فتاة عشقتني في السّر ،
تكبت شوق الحب و تسير بعد رحيلي على الدرب .
سيّدتي ،
فلتعذري رعبي ، مأساتي و جبني أو ربّما غبني فوطني يقترف الخطايا و لا يتوب. قولي
عنّي ما تشائين ، مجنون ، معلول ، سوداوي ، فوضوي أو طفل يخاف من غول الاساطير
الوهميّة . قولي ما تشائين فقط هبيني قليلا من الحب ، قليلا من الدفء الباطني لنهد
يعرف كيف يلعب دور الأمومة ، يعرف كيف يغذّي الشجاعة و الرّجولة و يحمي ما تبقّى
لي من كبرياء .
سيّدتي ، هل
تعلمين كيف يغتالون الحب في الصدور ؟ هل تعرفين احساس العيش المؤجل و الموت الحاضر
في كل الزّوايا ، احساس جائع يحرث الأرض بأظافره و ينثر بين طيّاتها فتات كبده
ليأكل سيّده المبجّل . أما آن الأوان كي نخجل ؟ هنا ، على هذه الأرض كل مشاعرنا و
أحلامنا مشاريع وهميّة ، نصوغها في لحظات اليأس نصوصا أدبيّة و صورا سينمائية ،
نحاول أن نقنع أنفسنا بأنها ستقنع الله و تكون حجّتنا بأننا عرفنا كيف تعاش
الحياة. هل تراه سيغفر لنا لمجرّد أننا نطيع ولي الأمر و نقلع عن شرب الخمر و
نكتفي بعد العشاء بالاستغفار و الصلاة. ألن يحاسبنا على السّكوت ، ألن يلومنا عن
جهلنا ، عن جبننا ، عن خذلاننا له و افسادنا في الأرض . ألن يلوم خضوعنا للأفخاذ
المتهالكة على عتبات الدول الكبرى ، ألن يسألنا الله يوم القيامة عما تبقّى من حب
في أفئدتنا ، عما تبقّى من الانساني فينا ، قد لا نكون المذنبين سيّدتي لكننا لسنا
أبرياء. أنت لا تعرفين كيف تحوّل شعب عمره ثلاثة آلاف سنة و أكثر الى قطيع من
الغنم. أنت لا تعرفين كيف يعاد انتاج الصنم. تبدأ القصّة حين نولد في الفقر ، تحته
بقليل أو فوقه بقليل ، ليس هنالك فرق كبير ، نعيش السلام الى حدود اليوم الذي نربط
فيه أول حرفين لتكوين كلمة و مع أول سؤال تنطلق المعركة ، يبدؤون في حصارك و
لحمايتك من الخطيئة يرتكبون أكبر الخطايا ، يعدمون عقلك تدريجيا و يلقنونك عرف
القطيع. إيّاك أن تكون مختلفا بينهم ، إيّاك أن ترى أشياء لا يروها ، إيّاك أن
تبحث عن شيء فهم سيعلمونك كل شيء. سيلقنونك درسا في القناعة ، كن محافظا أو لا
تكون ، التغيير بداية الخراب و عين الجنون لهذا عليك أن تكتفي بما يسردونه عليك في
الكتب المدرسيّة ، سيقرؤون لك التاريخ بالمقلوب ، سيقولون أن شكري كان كافرا لذلك
لا ينعت بالشهيد و أن جيفارى كان إرهابيا و مارقا يريد تحرير العبيد و تحطيم كل
القيود. سيعلمونك كيف تكره النوّاب لأنه كان بذيئا و فوضويا و كيف تمقت غسّان
لأنّه كان شيوعيا ، لن تستطيع بعدها أن تفهم شعر الماغوط و مكامن الغموض في شعر
درويش . ستربّي على لسانك الرّيش و تكتفي بتلاوة القرآن دون فهمه ، فالتفسير من
شيم العلماء هم وحدهم مخولون لقراءة ما خلف السطور ، لذلك لا تفكر في النزول الى
المكتبة فلن تجد ما يفيد ، لقد أحرقت كتب ابن رشد لأنه سبّق العقل عن النقل و قطعت
اوصال الحلاج لأنه توحد في حب الله . ضع عقلك جانبا و سر خلفهم للجهاد ، سر الى
الجحيم مزهوا بسراب الجنّة ، الرصاصة الأخيرة لن تسمع صوتها ، لن تحس ألمها ، لكن
هل سيغفر الله ذنبك ، ربما لست أنت المذنب الحقيقي لكنك لست بريئا الى هذه الدرجة.
سيّدتي هل
عرفت الآن كيف يموت الحب في الصدور ، كيف تحوّل الإنسان الى عملة نادرة ، كيف يلفظ
شعب عمره ثلاثة آلاف سنة آخر أنفاسه و يضيع في سراب الهويّة المبهمة ،سيّدتي جودي
علينا بقليل من الحب ، إن الطريق طويل و الزّاد لا يكفي لمواجهة المصير .
صفوان الطرابلسي
نشر في جريدة ضد السلطة
Bravo
RépondreSupprimerSuper beau texte
Merci :)
RépondreSupprimer