vendredi 15 février 2013

ثلاث رسائل على هامش السيرة


رفعت الأقلام و جفّت الصّحف ، انتهى القدر من كتابة المأساة و بدأ الظلام في اكتساح الطرقات و اغتيال الضمائر في الصدور. من يريد قراءة التاريخ فليترك معسكر المنتصرين و فخامة العناوين و ليقتفى رائحة البارود و أثر الدماء بين السطور ، وحدهم الشهداء وصلوا للحقيقة المجرّدة و وحدهم الجبناء من ييأسون في منتصف الطريق و يتفرغون بعد الهزيمة للبكاء .
الرّسالة الأولى: رفيقي الشهيد ، هل أعجبك الكفن ؟ هل هي دافئة أرض الوطن ؟ ترى ماهي أسئلة الملائكة عند استقبالك ، هل استجوبوك عن ما حفظت من قرآن ؟ أم عن ما فعلت من أجل تحرير الإنسان ؟  لا تحزن يا رفيقي و نم في سلام ، صورتك لازالت ترعبهم حتى بعد رحيلك ، رفاقك يحملون اللواء و رفض الجميع البكاء رغم عطش الجفون و الضمئ الناري في الضلوع . لا تحزن يا رفيقي ، فقد تركت خلفك امرأة بألف رجل و طفلة وقفت يوم تشييعك فوق نعشك رافعة راية النصر القادم في الأفق ، لا تحزن فقد رفضنا قبول العزاء ممن ليس لهم عزاء في وطن يعشقك ، خرجت الملايين وراءك و رفعت صورتك في كل ميادين الحريّة في العالم . أرادوا قتلك فخلّدوك ، كنت تغذي العزم فينا بالكلمات و اليوم بعد الممات صار ثأرك حافزنا لتصحيح مسار التاريخ ، و كما يقول النواب " علّمني وطني أن حروف التاريخ مزوّرة حين تكون بدون دماء " ، لن يستطيع أحد بعد اليوم التشكيك في نضالك و لا محوا اسمك من سجل عشّاق الوطن فما يكتب بالدم بين سطور الزمن لا تمحه أياد الغدر و النفاق .
الرّسالة الثانية :  الى حمّه الهمّامي و باقي الرّفاق ، " ذهب الذين تحبّهم ذهبوا/ فاما أن تكون/ أو لا تكون " شكري رسم لنا و لكم خط المسير بدمه الطاهر ، الصّراع اليوم صار من أجل البقاء ، الثأر يطول بطالبه و لكنّه لا يموت و الخوف لم يعد له معنى في قاموسنا ، لا مجال للمهادنة بعد اليوم و اليأس في هذا الظرف خيانة ، لم يعد مجال للصلح و لعب السياسة فكبرياء الرجال يأبى المتاجرة بدماء الشهداء . " لا تصالح و منحوك الذهب / ترى لو أفقؤ عينيك و أثبت جوهرتين مكانهما / هل ترى ؟ / هي أشياء لا تشترى ..." و نحن لن نشتري دم رفيقنا بدم رخيص ، لن نساوي بينه و بين قاتله الخسيس و لن نكتفي بمجرّد القصاص ، لن نعزف لحن الرّصاص بل سنكمل الطريق و على خطاه سنحرر هذا الوطن ، سنهديه حلما تقاسمناه ذات يوم ، سنهديه تونس بالف زهرة و ألف وردة و ألف ياسمينة كما كان يعشقها و يطمح أن يراها ترقص على ألحان الرّبيع .
الرّسالة الثالثة : الى شعب يسير الى جهنّم مظللا بحلم الجنة " يا اخوتي الذين يعبرون في الميدان في انحناء  / منحدرين في نهاية المساء / لا تحلموا بعالم سعيد / فخلف كل قيصر يموت / قيصر جديد / وخلف كل ثائر يموت / احزان بلا جدوى / و دمعة سدى ..."
اليوم لم يعد هناك مكان للنحيب على الماضي ، و ليس هنالك مصلحة في  النظر الى الوراء ، التاريخ كتب وانتهى ، لكن المستقبل لا يزال بين يديك و الصراع بات من أجل البقاء ، تعال لتنقض ما تبقّى من الانساني فينا و لتشعل نار الثورة في أرجاء هذا الوطن ، مسيرة الألف ميل تبدأ بخطوة و القيد لا ينكسر بضربة حظ عابرة ، فلتبحث أيها الشعب العظيم عن الثورة داخلك ، لا تنتظر قيام المسيح ، انها التضحية و الايمان الدّخلي بالحق في حياة كالحياة و لتذكر دائما ان " المحررين لا وجود لهم الشعوب هي من تحرر نفسها ..."

صفوان الطرابلسي 
نشر بجريدة ضد السلطة 
2013/03/09

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire