vendredi 21 juin 2013

الله أكبر على قلّة الفهم

كثر الجدل حول مسودّة الدستور و جنودنا الأشاوس يقتفون في جبل الشعانبي آثار الغول. طال الحديث حول حرّية الضمير و الهويّة الضّائعة بين لحية السّلفي و نهدي أمينة. احتدّ النقاش حول تاريخ الانتخابات و رابطات حماية الثورة فقرر الرئيس التحرّك في الوقت الحاسم ليجمع جميع الأطراف المبتورة على طاولت الحوار خوفا من الدّمار معرّجا على رأي جهابذة السياسة الدّوليّة في تحليل الأزمة السّوريّة و تأثيرها على مجرى الاحتجاجات التركيّة و العلاقات الأمريكيّة الرّوسيّة...
مشهد مبتذل و قذر تطول فيه النقاشات البيزنطيّة ، يتزايد فيه الثوريّون المثقوبون دون أن يملك أحدهم الشجاعة و الرّجولة الكافية للخروج عن حدود الدائرة المفرغة للجدل العقيم التي رسمها النظام بدماء شهداء الوطن.
الأمر في غاية البساطة ، لا تغريكم التعريفات المعقّدة و النظريّات المفبركة ، الأمر جلي كنور الشمس لو لا عمى الألوان الذي أصابنا. سياسة التشتيت و الإلهاء ، سياسة الرعب و الإرهاب و الغباء ، سياسة التّهميش و التفقير ،قضيّة الشعب الأساسيّة التي تتلخّص في أهداف ثورته " كرامة ، حرّية ، عدالة إجتماعيّة " تم اغتيالها و اغتصاب ما تبقّى من أمل الشعب المضطهد . ماتت الثورة بعد صراع طويل ، قتلها العدو بيد ابنائها ، جهلهم صوّر لهم أنها ليلة للاحتفال تنجلي مع مرور الهجيع لكنها في الحقيقة عقليّة و مسار طويل ، سذاجتهم أوهمتهم أنها لمسة سحريّة تغسل الذّنوب و تنشر الأخوّة بين الفارس و التنين ، بين الذئب و الرّاعي الحزين ، سلّموها عن حسن نيّة هديّة لسماسرة الأرض المتخفّين في بذلة السياسيين و الحقوقيين. الاحتضار يطول لكنها قبل الرّحيل أقسمت بألف يمين أن تأكل أبناءها لا كرها أو انتقاما من صنيعهم بل حبا و شفقة من بذاءة المشهد الأخير ، حين تنصب المشانق في ساحات الحرّية و ينزل حد المقصلة ليعلن عن نهاية المسرحيّة. لقد أسدل الستار و تمخّضت المهزلة عن مأساة ، هذه هي سنّة التاريخ. فتحي الجلايلي وقف يوم الاثنين وحيدا في جلسة الاستئناف الأخيرة ، خذله المحامون و لم يحضر الحقوقيّون المزيّفون و الإعلام المحايد ، هذا طبيعي، شاب فقيرا يقطن في حي شعبي تعيس ، قضيّته لم تنل التغطية الإعلاميّة الكافية كي تصير حديث الرّأي العام و ملفا مغريا للمزايدة. صابر المرايحي يعاني أيضا ويلات المرض وحيدا بعد أن قضّى أكثر من سنة في سجون النظام القذرة ، تقرّحات جلده الملتهبة ، المخضّبة بالقيح و الدماء ليست سوى صورة لضمائرنا الميتة و المتعفّنة. جهاد مبروك الجريح الحاضر في كل التحرّكات الشعبيّة منذ الثورة ، في حالة فرار بعد أن حكم عليه بشهر سجن مع النفاذ بتهمة التهرّب من الخدمة العسكريّة و جميعنا يعرف ماذا يعني السجن في حالة جهاد ، إنها التصفية ، قد تبدو كلمة مرعبة لكنّها الحقيقة و هي سياسة ممنهجة فجرحى الثورة مسلم قصد الله ، خالد بن نجمة ، شكري الرياحي ، حلمي الخضراوي ، زياد قراوي ، يسري الزرلي و حاتم هلالي يدخلون منذ حوالي الأسبوعين في إضراب رغم حالتهم الصّحيّة المزرية جرّاء الإهمال المتعمد . لا يتوقّف المد الانتقامي عند هذا الحد ليعود التضييق على المدوّنين : قضية مدوني قصور الساف و المدون الآخر المسجون على خلفية تهمة التعدي على الذات الإلهية و المدون حكيم الغانمي و تهمته التعدّي على الذات العسكريّة ، كل الذوات مقدّسة في هذا الوطن إلا الذات البشريّة . لن ننسى ملفّات شباب الثورة في أجيم بجربة و قرقنة و منزل شاكر و غيرها مما خفي عن الأعين فهؤلاء الشباب المهمّشون لا تصلهم عدسات الفضائيّات إلا اذا وهبوا أنفسهم في سوق المزايدة أو افسحوا المجال للمتاجرة بآلامهم في برامج البكائيّات كل ليلة جمعة .
يبدو أن النهاية قد أزفت ، لكنها حتما بداية مرحلة جديدة من النضال لأن اليأس في عرف الثوريين خيانة ، نحن في حاجة إلى جيفارى جديد يعيد الأمل ، ثوري حقيقي يؤمن بقدرة الشعوب على التغيير ، يعرف معنى الألم ، يتحمّله بلذّة صوفي و يصمد بايمانه العميق أمام مشهد الدم النازف مرددا في سرّه كلمات الحلاج الخالدة عند صلبه "ركعتان فى العشق لا يصح وضوءهما إلا بالدم". ركعتان في عشق الله و الوطن لا تنتظران معجزة ، بل إرادة شعب ، عصر المعجزات ولا و انتهى ، من ينتظر قيام المسيح سيموت على أسوار رومى محترقا ، " فالمحررون لا وجود لهم الشعوب وحدها هي من تحرر نفسها ". و الثأر النائم في الصّدور الحاقدة كفيل بأن يوقظ المارد المدفون ، ذلك الثائر المنشود المتخفّي في وداعة كل قلب حي ، حين يقف أمام الدهر كتلميذ يعلّمه كيف يقرأ التاريخ وفق القواعد الصّحيحة و ينشد كلمات النّوّاب في ترنّم مأتمي " علمني الدفن أن أمسح الطين عن أصدقائي/ وعلمني الدفن أن يكون من الأنهر الأبدية مائي / وعلمني أن أعشق الرحم الأزلية للأرض/ وان تكون امرأتي حين تكفر كل النساء "
هكذا قال الشاعر و هكذا يعلّمنا الدهر أن الخلاص في السير على فانوس العدل و الاستمساك بالقبس الهزيل حتّى النهاية ، فمن يترك رسن خيله في يد السمسار يجنح به إلى وادي الهلاك حيث القفار و الجفاف، لن نبحر سوى على نهر الشعب الأزلي ، مجهد من طول العطاء لكّنه ابدي لا ينضب له نبع .

samedi 8 juin 2013

خطــــــــــــــر

منذ أسابيع و نحن نعيش على وقع التّهديدات الإرهابيّة ( أحداث الشّعانبي و مؤتمر أنصار الشريعة بالقروان... ) و الصّراعات الهامشيّة المتعلّقة بالهويّة ( الصّراع بين الوهابيين و الزواتنه ، أمينة فامن و رفيقاتها في واقعة باب بنات... ) و هذا ليس بالأمر الغريب فمن يعاين المشهد السياسي الوطني و الإقليمي لابد أن يلاحظ اللّمسة الحرفيّة للمخابرات الغربيّة و الرّائحة العفنة للبترول الخليجي ، و الهدف واضح و جلي ، تحويل وجهة المسار الثوري و تمهيد الطريق لحكّامنا الجدد للمرور من المرحلة المؤقتة إلى المرحلة المؤبدة . لكن تنفيذ هذه الخطّة سيتطلّب تمويه ، تغطية و تشتيت للوعي الشعبي لذلك يبدو الوقت مناسب لصعود بعبع الإرهاب إلى الواجهة و إثارة أزمة هويّة عملا بالوصيّة الهتلريّة القائلة أن السّيطرة على الشّعوب تمر عبر إرهابهم و إيهامهم أنهم معرّضون للخطر في كل لحظة . و لمزيد الفهم دعونا نبحث عن المستفيد أو المستفيدين من كل هذه الخزعبلات و لنبدأ بحركة النهضة التي تسعى في هذه المرحلة إلى تمرير مجموعة من المشاريع منها تطبيق سياسات التقشّف المجحفة المنصوص عليها في إطار صفقة قرض البنك الدولي ، تفعيل قانون التّعويضات الذي سيكون داعما ماديا و سياسيا كبيرا في الانتخابات القادمة كما استغلّت الفرصة لتتراجع عن التزاماتها التي تعهّدت بها خلال الحوار الوطني الذي قام تحت قبّة الإتحاد في ما يخص الدستور مع مواصلة التغلغل داخل مفاصل الدولة. المستفيد الثاني ، هو المؤسسة الأمنيّة و المافيا التي أعادت التمركز داخلها بعد القسمة الجديدة ، حيث أعاد لها التهديد الإرهابي و أحداث القيروان و حي التضامن نوع من الهيبة الاعتبارية و الشرعيّة الرمزيّة لقمع الحركات الاحتجاجية كما مهد لهم الطريق لتقديم مشروع قانون مخزي اقل ما يقال عنه أنّه جائر ، خانق للحرّيات و مؤسس دولة بوليسيّة قمعيّة اسوء من سابقتها ، يرفع عون الأمن إلى مصاف المقدّسات أو ربّما أعلى من المقدّسات . المستفيد الثالث و هم السلفيّون إذ تمكّنوا من العودة للعب دورهم المفضّل " الضّحية " و هذا سيجلب لهم المزيد من التعاطف الشعبي يضاف إلى رصيدهم المستقبلي الذي سيمكنهم من طرح أنفسهم كبديل إسلامي جديد في حال فشل النهضة كما سيفتح لهم هذا التعاطف الابواب لمزيد التغلغل داخل الأوساط الشّعبيّة و استغلال العقد العاطفيّة لشعوب تسير دائما ضد مصلحتها مظللة بحلم الهويّة الضّائعة و مجد الزمان الغابر . المستفيد الرّابع ، هي القوى اليساريّة الانتهازية التي قررت الإستكانة و الرّضا بالظهور الإعلامي الدّائم و فتات الكعكة المتبقّي على طاولة القسمة بما أنها لا تحظى بأي دعم خارجي و ليس لديها الجرأة على اقتحام الأوساط الشعبيّة و تكوين نواة ثوريّة تقدّميّة . أما الخاسر الأكبر و الوحيد هنا فهو الشعب التونسي ، هم الفقراء و المهشمون و شباب الثورة الذين يحاكمون كل يوم في مختلف الولايات ، فصابر المرايحي إبن الكبّاريّة رغم الإفراج المشروط مازال يواجه تهمة تصل عقوبتها إلى خمسة و عشرين سنة سجنا و هو رهينة عديد التجاذبات ، فتحي الجلايلي إبن المونفلوري يقضي حكما بعشر سنوات ، قيس صبّارة إبن السابعة عشر ربيعا اصيل ولاية قفصة ، تلميذ يواجه حكما يصل إلى خمس سنوات و غيرهم من ابناء أجيم في جربة و شباب منّوبة و قرقنة و لن ننسى طبعا جهاد مبروك إبن الشّابة و جريح الثورة الذي حكم عليه في بداية هذه السنة بأربعة أشهر سجن و خطيّة ماليّة في إطار قضيّة كيدية و هو اليوم يواجه حكم بشهر سجن بتعلّة التهرّب من أداء الواجب الوطني رغم ما هو معروف عن خطورة حالته الصحيّة و الإهمال الطّبي الذي يعانيه . كل هذا و أكثر يبيّن الطابع الممنهج للعماليات الإنتقاميّة التي تستهدف الشباب الثوري و خصوصا عندما نعلم أن معظم هذه الشّكايات تتقدم بها جهات أمنيّة أو أطراف محلّية محسوبة على النظام السّابق و تستهدف شباب الأحياء الشعبيّة ممن تتجاهلهم عدسات المحطّات الفضائيّة . في النّهاية على الشعب التونسي أن يعي أن من يقايض حرّيته بالأمن يخسر في آخر المطاف الاثنين ، كما أن هروب رأس النظام لا يعني سقوطه فعلى المسار الثوري أن يستمر حتى تحقيق أهدافه التي استشهد من أجلها أبناء هذه الأرض فلا مناص عن تحقيق أهداف الثورة : الكرامة ، الحرّية و العدالة الإجتماعيّة .

صفوان الطرابلسي
نشر بجريدة ضد السلطة
8 جوان 2013