samedi 23 février 2013

جانفي الجنفري



جانفي القدّيس يستعد للرّحيل ، يودّعنا تاركا لنا في طيّات الزّمان مفاجآته الحارقة . كتبتْ هذه السطور لعشّاق المقامة ، كتبت على شرف هذا الشهر البديع هديّة للثوّار المرابطين في كل ساحات الحرّية من هذا الوطن ، من ميدان التحرير في مصر الى دوّار اللؤلؤة في البحرين وصولا الى الساحة الحمراء في تونس ، ساحة محمد علي الخالدة ، هديّة لكل من يؤمن بأن التاريخ نتاج للصراع  و أن الثورة هي عيد الكادحين .


ألا اِنهض يا اٍبن العرب
لتكتب التاريخ في عصر مجيدْ
سلاحك في الساحات صيحات الغضب
وحلمك في الآفاق يصعد من جديدْ
ربيع الثورة المرجو اقترب
و قلبك المجروح قد صار عتيدْ
ترى الأحلام من فوق السحب
فمد يديك واقطف ما تريدْ
نار الثورة من لهب و حب
و قلب الثائر من زبر الحديدْ
لو أشعلت الأرض ما نفذ الحطب
زنودنا تحمي العرض من كل وعيدْ
دماؤنا في الشريان بركان غضب
أنفاس هذه الأرض ذوبت الجليدْ
فكسر  قيدك قد كان السبب
في جعل هذا الشعب من  صنف العبيدْ
تعبنا مللنا من طول الخطب
و في الساحات الشعب يريدْ
فنهج الحر يملؤه التعب
و السير للعشاق أملهم الوحيدْ
تهون حياتي إذا موتي وجب
شهيدا أبعث في يوم سعيدْ
و يزهوا رفاقي من عنف الطرب
و من عمق الميدان يرتفع النشيدْ
يموت قاتلي من خوف و رعب
و يعرف أن الشعب يثأر للشهيدْ
و مهما تزور تاريخي الكتب
أصحح المسار في الفجر الوليدْ
أنا الإنسان أرهقه الكرب
سأقهر كيد الظلم على كل صعيدْ
فمن عمق الصّحراء ينفجر اللّهب
رفاقي سلاحي و الرّأي السديدْ
أبناء هذه الأرض يأتون العجب
وتولد الأحلام في الأفق البعيدْ


صفوان الطرابلسي  
 نشر بجريدة ضد السلطة 
في 2013/02/02






jeudi 21 février 2013

رسالة الى سيّدة مجهولة


كيف يكون لرسائلي معنى و لم يعد للمنطق في هذا الوطن وجود ؟ كيف أكتب لك قصائد الحب و قلمي ينزف حقدا و دما متخثّرا ؟ أين أجد زهرة حمراء اللون ، أملأ ببتلاتها الظرف قبل ارساله ، فمن فرط خطايانا قاطعنا الرّبيع . من الارهاب الى الارهاب نمضي و الدفء يموت شيئا فشيئا داخل قلبي ، كيف سأبكي يوم تكتشفين الحقيقة و تهجرينني ، لقد جف الدمع ، بتنا نودّع الشهداء كما نودّع الغروب ، نجتر الصمت بحزن عميق و قلب عليل لكن دون دموع .
" سيّدتي ... أيقتلك البرد ؟ أنا يقتلني نصف الدفء و نصف الموقف أكثر. " أنا يقتلني صقيع القلب ، يأس رفاقي و غدر الشيطان الأكبر . سيّدتي لا تطلبي منّي أن أحكي عن تاريخ العشق الضّائع بين ثنايا الخوف ، لا تطلبي منّي أن أرقص فرصاص الغدر يعزف لحنا صوفيا يغريني بالموت ، يهديني لقبا أبديا و دموع فتاة عشقتني في السّر ، تكبت شوق الحب و تسير بعد رحيلي على الدرب .
سيّدتي ، فلتعذري رعبي ، مأساتي و جبني أو ربّما غبني فوطني يقترف الخطايا و لا يتوب. قولي عنّي ما تشائين ، مجنون ، معلول ، سوداوي ، فوضوي أو طفل يخاف من غول الاساطير الوهميّة . قولي ما تشائين فقط هبيني قليلا من الحب ، قليلا من الدفء الباطني لنهد يعرف كيف يلعب دور الأمومة ، يعرف كيف يغذّي الشجاعة و الرّجولة و يحمي ما تبقّى لي من كبرياء .
سيّدتي ، هل تعلمين كيف يغتالون الحب في الصدور ؟ هل تعرفين احساس العيش المؤجل و الموت الحاضر في كل الزّوايا ، احساس جائع يحرث الأرض بأظافره و ينثر بين طيّاتها فتات كبده ليأكل سيّده المبجّل . أما آن الأوان كي نخجل ؟ هنا ، على هذه الأرض كل مشاعرنا و أحلامنا مشاريع وهميّة ، نصوغها في لحظات اليأس نصوصا أدبيّة و صورا سينمائية ، نحاول أن نقنع أنفسنا بأنها ستقنع الله و تكون حجّتنا بأننا عرفنا كيف تعاش الحياة. هل تراه سيغفر لنا لمجرّد أننا نطيع ولي الأمر و نقلع عن شرب الخمر و نكتفي بعد العشاء بالاستغفار و الصلاة. ألن يحاسبنا على السّكوت ، ألن يلومنا عن جهلنا ، عن جبننا ، عن خذلاننا له و افسادنا في الأرض . ألن يلوم خضوعنا للأفخاذ المتهالكة على عتبات الدول الكبرى ، ألن يسألنا الله يوم القيامة عما تبقّى من حب في أفئدتنا ، عما تبقّى من الانساني فينا ، قد لا نكون المذنبين سيّدتي لكننا لسنا أبرياء. أنت لا تعرفين كيف تحوّل شعب عمره ثلاثة آلاف سنة و أكثر الى قطيع من الغنم. أنت لا تعرفين كيف يعاد انتاج الصنم. تبدأ القصّة حين نولد في الفقر ، تحته بقليل أو فوقه بقليل ، ليس هنالك فرق كبير ، نعيش السلام الى حدود اليوم الذي نربط فيه أول حرفين لتكوين كلمة و مع أول سؤال تنطلق المعركة ، يبدؤون في حصارك و لحمايتك من الخطيئة يرتكبون أكبر الخطايا ، يعدمون عقلك تدريجيا و يلقنونك عرف القطيع. إيّاك أن تكون مختلفا بينهم ، إيّاك أن ترى أشياء لا يروها ، إيّاك أن تبحث عن شيء فهم سيعلمونك كل شيء. سيلقنونك درسا في القناعة ، كن محافظا أو لا تكون ، التغيير بداية الخراب و عين الجنون لهذا عليك أن تكتفي بما يسردونه عليك في الكتب المدرسيّة ، سيقرؤون لك التاريخ بالمقلوب ، سيقولون أن شكري كان كافرا لذلك لا ينعت بالشهيد و أن جيفارى كان إرهابيا و مارقا يريد تحرير العبيد و تحطيم كل القيود. سيعلمونك كيف تكره النوّاب لأنه كان بذيئا و فوضويا و كيف تمقت غسّان لأنّه كان شيوعيا ، لن تستطيع بعدها أن تفهم شعر الماغوط و مكامن الغموض في شعر درويش . ستربّي على لسانك الرّيش و تكتفي بتلاوة القرآن دون فهمه ، فالتفسير من شيم العلماء هم وحدهم مخولون لقراءة ما خلف السطور ، لذلك لا تفكر في النزول الى المكتبة فلن تجد ما يفيد ، لقد أحرقت كتب ابن رشد لأنه سبّق العقل عن النقل و قطعت اوصال الحلاج لأنه توحد في حب الله . ضع عقلك جانبا و سر خلفهم للجهاد ، سر الى الجحيم مزهوا بسراب الجنّة ، الرصاصة الأخيرة لن تسمع صوتها ، لن تحس ألمها ، لكن هل سيغفر الله ذنبك ، ربما لست أنت المذنب الحقيقي لكنك لست بريئا الى هذه الدرجة.
سيّدتي هل عرفت الآن كيف يموت الحب في الصدور ، كيف تحوّل الإنسان الى عملة نادرة ، كيف يلفظ شعب عمره ثلاثة آلاف سنة آخر أنفاسه و يضيع في سراب الهويّة المبهمة ،سيّدتي جودي علينا بقليل من الحب ، إن الطريق طويل و الزّاد لا يكفي لمواجهة المصير . 

صفوان الطرابلسي 
نشر في جريدة ضد السلطة  

vendredi 15 février 2013

ثلاث رسائل على هامش السيرة


رفعت الأقلام و جفّت الصّحف ، انتهى القدر من كتابة المأساة و بدأ الظلام في اكتساح الطرقات و اغتيال الضمائر في الصدور. من يريد قراءة التاريخ فليترك معسكر المنتصرين و فخامة العناوين و ليقتفى رائحة البارود و أثر الدماء بين السطور ، وحدهم الشهداء وصلوا للحقيقة المجرّدة و وحدهم الجبناء من ييأسون في منتصف الطريق و يتفرغون بعد الهزيمة للبكاء .
الرّسالة الأولى: رفيقي الشهيد ، هل أعجبك الكفن ؟ هل هي دافئة أرض الوطن ؟ ترى ماهي أسئلة الملائكة عند استقبالك ، هل استجوبوك عن ما حفظت من قرآن ؟ أم عن ما فعلت من أجل تحرير الإنسان ؟  لا تحزن يا رفيقي و نم في سلام ، صورتك لازالت ترعبهم حتى بعد رحيلك ، رفاقك يحملون اللواء و رفض الجميع البكاء رغم عطش الجفون و الضمئ الناري في الضلوع . لا تحزن يا رفيقي ، فقد تركت خلفك امرأة بألف رجل و طفلة وقفت يوم تشييعك فوق نعشك رافعة راية النصر القادم في الأفق ، لا تحزن فقد رفضنا قبول العزاء ممن ليس لهم عزاء في وطن يعشقك ، خرجت الملايين وراءك و رفعت صورتك في كل ميادين الحريّة في العالم . أرادوا قتلك فخلّدوك ، كنت تغذي العزم فينا بالكلمات و اليوم بعد الممات صار ثأرك حافزنا لتصحيح مسار التاريخ ، و كما يقول النواب " علّمني وطني أن حروف التاريخ مزوّرة حين تكون بدون دماء " ، لن يستطيع أحد بعد اليوم التشكيك في نضالك و لا محوا اسمك من سجل عشّاق الوطن فما يكتب بالدم بين سطور الزمن لا تمحه أياد الغدر و النفاق .
الرّسالة الثانية :  الى حمّه الهمّامي و باقي الرّفاق ، " ذهب الذين تحبّهم ذهبوا/ فاما أن تكون/ أو لا تكون " شكري رسم لنا و لكم خط المسير بدمه الطاهر ، الصّراع اليوم صار من أجل البقاء ، الثأر يطول بطالبه و لكنّه لا يموت و الخوف لم يعد له معنى في قاموسنا ، لا مجال للمهادنة بعد اليوم و اليأس في هذا الظرف خيانة ، لم يعد مجال للصلح و لعب السياسة فكبرياء الرجال يأبى المتاجرة بدماء الشهداء . " لا تصالح و منحوك الذهب / ترى لو أفقؤ عينيك و أثبت جوهرتين مكانهما / هل ترى ؟ / هي أشياء لا تشترى ..." و نحن لن نشتري دم رفيقنا بدم رخيص ، لن نساوي بينه و بين قاتله الخسيس و لن نكتفي بمجرّد القصاص ، لن نعزف لحن الرّصاص بل سنكمل الطريق و على خطاه سنحرر هذا الوطن ، سنهديه حلما تقاسمناه ذات يوم ، سنهديه تونس بالف زهرة و ألف وردة و ألف ياسمينة كما كان يعشقها و يطمح أن يراها ترقص على ألحان الرّبيع .
الرّسالة الثالثة : الى شعب يسير الى جهنّم مظللا بحلم الجنة " يا اخوتي الذين يعبرون في الميدان في انحناء  / منحدرين في نهاية المساء / لا تحلموا بعالم سعيد / فخلف كل قيصر يموت / قيصر جديد / وخلف كل ثائر يموت / احزان بلا جدوى / و دمعة سدى ..."
اليوم لم يعد هناك مكان للنحيب على الماضي ، و ليس هنالك مصلحة في  النظر الى الوراء ، التاريخ كتب وانتهى ، لكن المستقبل لا يزال بين يديك و الصراع بات من أجل البقاء ، تعال لتنقض ما تبقّى من الانساني فينا و لتشعل نار الثورة في أرجاء هذا الوطن ، مسيرة الألف ميل تبدأ بخطوة و القيد لا ينكسر بضربة حظ عابرة ، فلتبحث أيها الشعب العظيم عن الثورة داخلك ، لا تنتظر قيام المسيح ، انها التضحية و الايمان الدّخلي بالحق في حياة كالحياة و لتذكر دائما ان " المحررين لا وجود لهم الشعوب هي من تحرر نفسها ..."

صفوان الطرابلسي 
نشر بجريدة ضد السلطة 
2013/03/09

samedi 2 février 2013

إنسان SOS

نهار الأحد نهار الكبّي والنوم.. نصبح راڨدة بعد جمعة قراية وتعب.. الأحد اللّي فات رصّاتي غاطسة في مستنقع النقد والتحليل.. استنتاجات.. مقارنات.. واسقاطات! تي ماهو أنا راقدة ونسمع في أمّي تبكي.. يا سلّاك يا سلّاك.. قمت نجري بتباطئ نلقاها تمسح في خناينها :
لاباس آش فمّا زادة ؟
! لايكا الكلبة ماتت
! أما كلبة ؟! أكا الكلبة العربي السّايبة في الحومة
طلّيت نلقى للّا لايكا غاطسة في دموماتها.. هبطت مسّيتها نلقاها مازالت تتنفّس: هذه مضروبة بالرشّ.. الشرطة البلديّة عاملة حملة.. مازالت تتنفّس، نادي الواحد من أولاد الحومة يهزّها وراء البلاص تكمّل اطّلع الرّوح..
! مازالت حيّة؟! يا ناري علاش يضربو فيها بالرشّ
ماجاوبتهاش ودخلت نكمّل في نومتي.. ضربو الرجّالة بالرشّ خلّي لايكا الكلبة..
جاني خليل ولد الجارة يبكي تحت راسي: أمان مش إنت طبيبة ـ يراني لابسة المنديلة البيضة ساعات، أما مانيش ـ أمان داويها!
سخّفني، خرجت معاه.. مش كان أمّي تبكي! الحومة فزعت.. صغار تتباكى.. نساء و رجال.. يا بوڨلب! شدتني هستيريا ضحك، لين أمّي نعتتني بالشرّيرة قدّام النّاس الكل.. ما فهمتنيش لواش نضحك (انتم فهمتو) ! أيّا ما نكثرّش عليكم دبّرتلهم نومرو
SOS animaux :
نحنا مقّرنا في نابل، أعملو نداء في صفحة الفايسبوك متاعنا.. لازم تلقاو شكون يجيبها غزرولي الكل فرد مرّة.. دخلت كي الخرّاية (باسم مستعار) و كتبت "نداء استغاثة" عطيت فيه معطيات أمي.. مش أكثر من عشر دقائق و نسمع فيها تتكلّم في التليفون وتوصف في ادريسة دارنا..
السيّد اللّي جاء مهندس إعلاميّة ما يتجاوزش عمرو 30 سنة، سيّارة فخمة.. تحمّل عناء الثنيّة من مڨرين لحيّ التحرير على خاطر للّا لايكا.. و زيد بش يهزّها للمداواة في نابل! أنا باقي نضحك وأمّي تتشوحرلي.. مافهمتنيش (انتم فهمتوني) !
صغار الحومة بصوت واحد: بعد ماتبرى ترجّعوها؟؟
جاوبهم عمّك الرّاجل بكل حزم: لازم توفّرولها مكان لائق تسكن فيه وتتعهّدو برعايتها وماكلتها ومداواتها.. ونحن نعملولكم زيارات فجئية كان نلقاوها ناقصة حاجة نفكّوها و نشوفو شكون يستبناها .
هنا أنا ماعاش نجّم و تثنيت بالضّحك.. لين أمّي نبزتني وقتلي أدخل برد عليك! أمي باقي مافهمتنيش (انتم فهمتو) !
عشيّة كاملة و أمّي في اتصال مع منقذ لايكا وبابنا ما ركحش كلّ مرّة يطبطب واحد يسأل عليها: الدكتورة روضة لاهية بيها، عملتلها السّيروم و نحتّلها الرشّ، كان تعدّي اللّيلة تمنع ..
نهار الاثنين أنا مروّحة من الفاك و يعرضني جارنا كي كنت صغيرة يخوّفني: يرحم بوك علّي عملتو مع الكلبة! ريناها في الفايسبوك بدات تتحسّن وكلات شويّة أما مسكينة عينها تعورت ..
رجعتلي هيستيريا الضحك.. صحّة ليها لايكا لقات شكون يتلها بها! دخلت شفتها نلقاها بالسيروم راقدة في فرش ومتغطية.. تاكل في اللّحم المفروم.. مع التصويرة نلقى التعليق الآتي :

"
Écrivez à vos maires, notre argent des impôts ne doit pas servir à ça"

نضحك.. نضحك وأمّي مافهمتنيش (انتم فهمتو) !! فهمتو أنّه الثورة القادمة لن تكون من أجل الكرامة والقضاء على الفساد!! ستكون ثورة من أجل رشفة ماء نظيفة وعلبة دواء لم تنتهي مدّة صلوحيتها ومسؤول واحد غير كاذب و آس.او. آس إنسان.. فهمتو لماذا هذا الاستنتاج؟

رحمة البلدي